السبت 21 كانون الأول 2024 | 7:26 مساءً بتوقيت دمشق
آلاء أبو الشملات

نحو منابع الشمس

نحو منابع الشمس
إسماعيل نصرة - فنان سوري
  • الأحد 17 كانون الأول 2023

بين أطفال المدرسة
أنا الطفلُ الانطوائيّ صغيرُ الحجم ...
في صندوقِ التفاح أنا الثّمرةُ المتعفّنة
وفي مجموعة الكتب أنا الكتابُ الرديء..
بين أشجار الغابة أنا الجذعُ المقطوع
وسطَ البحر أنا الموجة التي لاتتلاشى
بين الضحكاتِ أنا الغصّة المخنوقة..
وأنا القبرُ المنزوي في مقبرةٍ مهجورة.
ورغمَ ذلك... رغمَ ذلك سألوّح لكم دائماً.
***
الطريقُ لم يكن طويلاً
خطواتُ قدمَيّ الصغيرتين حَسِبَتْهُ كذلك
ذاك الأخضر لم يكن لون عينَيّ أبداً
إنه عشب المقبرة
وصوت طائر النورس الوحيد
يتردّدُ في ذاكرتي منذ ثلاثين عاماً.

لم تخطئ بوصلتي البحرية
لقد مالت قليلاً بفعل الدوار الذي
أصاب ذاكرتي الطفلة.
***
هذا الهواءُ لم يَعُدْ يُغري الرّئة
أَمسكني من عُنقي قليلاً

أُفكّرُ بيديكَ
وإغواءِ القُبلة
على رؤوسِ الأصابع.

أفكّرُ بالسنونو
وطيرانٍ طويلٍ نحوَ منابعِ الشمس

أفكّرُ بالمسيح
ورَمْيِ الخطايا

أفكّر بصمتٍ طويلٍ يقودُ لمجزرة

أفكّر بالسّفن الغارقة وبالبحرِ الأبيضِ المتوسّط.

هذا الهواءُ لم يَعُدْ يُغري الرئة
أَمسِكني من عُنقي قليلاً

في شوارعِ المدنِ الغريبة
تنتصرُ اللامبالاة
تمشي وتمشي معكَ نفسُك
تعبران الشوارع

ينقرُ البردُ أصابعكما
أنت هناك وهنا
أنت هنا وهنا..
أنت في شوارع قديمةٍ لمدينةٍ بحريةٍ قديمة
وأنت في مدينةٍ ضبابيةٍ حبالُ ذاكرتها مقطوعة
تؤرجحكما عصافيرُ الدوريّ
ومزاريبُ تتسلقُ المياه فوهاتِها نحو السماء
يدٌ وحيدةٌ تقبضُ على ملحِ البحرِ الأبيضِ المتوسط.

لستُ شاعراً
ولا غريباً؛
أنا مهرجٌ أُبكِيكُم
حين تريدون التصفيق.
***
لست شاعراً
ولا قدّيساً
أنا غريبٌ عابر
تُحبُّني زوجاتكم
وأطفالُكم يُشبهونني.
**
لست شاعراً
ولا مغنّياً
أنا بهلولُ الحيّ؛
تعلّقونَ أمنياتكم على كلماتي
وأقرعُ لكم طبولَ الحرب.
بم بم بم
ومثل كل الخاسرين
نلوّحُ للهزيمة أن لنا لقاء.
نحتفي باليباسِ الجميل؛
يسكننا الغائبون
والغجرُ
والسنونو..
ورائحةُ البحر.
***
أفكّرُ بالأراملِ
واليتامى..
بالموتى والعابرين
وقطّاعِ الطرق.
كيف لكلّ أولئك أن يستمروا ...
الدموعُ جاحدة
والمقابرُ أماكنُ جميلة خضراء.

كيف لك
أيها الغريب أن تفكر بالموت
يتسلل كقطٍّ أليف بيننا
ويتمسّح بعمرنا المهدور.
وكيف لك أيها الموت
أن تجعلَ الغرباءَ أليفينَ كأخوة.
*
مرّةً كنتُ أرجوحة
تداعبُ وجهي الأوراقُ المتساقطةُ في الخريف
تطيّرني ريحُ الشتاء
وفي الرّبيع تهمس لي الزهور؛
جاء دوريٌّ صغيرٌ سكنَ قلبي في الصيف:
يا الله لماذا لم تخلقني بقدمين.
مرّةً صرتُ ريحاً
تركضُ بجنونٍ في الغابة
وتحاربُ الموج:
يا الله لماذا لم تخلقني بيدين.
ومرةً صرتُ ساعةَ حائطٍ عتيقة
تك تك تك:
يا الله لماذا يموت الوقت.

أُربّي يديّ لأصافحَ الغائبينَ
حين ألقاهم
على حافةِ الوقت.
أعدُّ الحصى لنهرٍ لوّحَ ومضى
أنا الغائبون
وأنا الغيابُ.
أعيدوني إلى الشجرة.