الأحد 22 كانون الأول 2024 | 8:38 صباحاً بتوقيت دمشق
فايز حمدان

أربعةُ أيامٍ... ثلاثةُ أطفالٍ وجثّةُ أمٍّ هامدة

أربعةُ أيامٍ... ثلاثةُ أطفالٍ وجثّةُ أمٍّ هامدة
تفصيل من عمل لـ بابلو بيكاسو (1881-1973) فنان إسباني
  • الأثنين 20 تشرين الثاني 2023

توقّفتِ المجزرةُ ثلاثَ ساعاتٍ فقط
كانقطاعِ التيارِ الكهربائيّ مثلاً
أو توقفِ مباراةٍ لكرةِ القدمِ

توقّفَ القصفُ ثلاثَ ساعاتٍ
الموتُ والذهولُ والسوادُ
لم يتوقفْ
بقعُ الدمِ ما زالتْ حمراءَ طازجة
المقابرُ باتساعٍ

وحدُها الريحُ معنا
والعراءُ لا يخذلُنا

توقّفَ القصفُ
أمّي وأبي وأخي
قلوبُهم أيضاً مازالتْ متوقّفة
نبضُهم.. تنفّسُهم
الكلماتُ الحارّةُ توقّفتْ
النظراتُ البريئةُ ثابتةٌ
الجفنُ مسدولٌ
الأطفالُ عيونُهم مغمضةٌ
نائمونَ إلى الأبدِ

توقّفتِ المذبحةُ لساعاتٍ
البكاءُ لم يتوقّفْ
عيوني من يوقفُها
من يمسحُ صورَ الجثثِ والكلابِ والدخانِ
هذا الدمارَ وعواءَ الليلِ الجائعِ

"ستغرقُ إسرائيلُ
بدماءِ أطفالِ غزّةَ ونسائِها"

كابوسُ القتلى، جثّةُ الأمِّ الهامدةِ
بكاءُ الأطفالِ وصراخُهم حولها
عدّةَ أيامٍ،
سيلاحقُ زوجةَ الجنديّ العدوِّ وطفلتَهُ

ستحاسبُكَ ابنتُكَ
عندما تعودُ ملطّخاً بالدماءِ
كوابيسُ أحلامِكَ حمراءُ
وسينبحُ كلبُكَ في وجهِكَ

توقّفتِ المحرقةُ ثلاثَ ساعاتٍ
بين الواحدةِ والرابعةِ عصراً
والبثُّ في قنواتِ التلفزيون
مازالَ مستمراً
الشريطُ الإخباريُّ أسفلَ الشاشةِ
طويلٌ جدّاً جدّاً

والفلسطينيّ في البلدِ المجاورِ
يرعبُهُ بكاءُ طفلتِهِ على بكائِهِ
نظرتُها وترديدُ كلمتين
تعلّمتْهما منذ قريبٍ
بابا... صراخٌ... ثمّ ماما

القصفُ يعودُ هذا الصباحَ
الفرّانُ يوزّعُ أرغفةَ الخبزِ
الناسُ تملأُ البراميلَ بالماءِ
البحرُ أحمرُ، الشمسُ سوداءُ

طبعاً "الحياةُ في مكانٍ آخرَ"
كما كتبَ ميلان كونديرا
الحياةُ في غزّةَ
الحياةُ مستمرّةُ

الحياةُ في غزّةَ
وأنا في دمشقَ
أقرأُ شعراً لإليوت
قصيدةَ "الأرض الخراب" بالذاتِ
وأكتب شعراً عن المصاعدِ
والإشاراتِ الضوئيةِ
والغرباءِ.
_________

(كُتبت هذه القصيدة في دمشق عام 2009).