استفهامات... إلى سليم بركات
دلدار فلمز (1970) فنان سوري.
- الأربعاء 9 تشرين الأول 2019
بماذا تريدُني أن أفكّر!
"مشهد أول "
صه ...!
أفرغُ كأس عرق في داخلي لعلّي أطفئ حرائقَ الشمال في قلبي.
بماذا تفكر؟
بماذا تريدني أن أفكّر!
أفكر في اللاشيء؛ أفكر في شاهدة قبري التي لا تتسع لتدوين حلمي عليها، أفكر في الصلصال الذي خُلق منه الشمال ،وفي تراجيديتها التي هندست نفسها في روحي ؛ في الأنامل التي ألبستْ قضيب جدّي صلاح الدين الأيوبي عباءةً وعُقالاً عربياً، أم قُرانا التي امتصت رذاذ الألم لتنبت صبّاراً في صحراء الله باحثة عن خطوط الأمل في راحة القدر، أفكّر في عبارات الآزادي التي كتبناها على جدراننا وفي العبارات التي كتبها جيراننا العرب القادمون منَ الجزيرة العربية على ظهور دوابهم قبل سنوات عِجاف على جدراننا الإسمنتية، والسحيق الذي اصطدم بـأحلامنا فتناثرت كالأدمع فوق الوجوه.
"مشهد ثانٍ"
لا لشيء شاهدةُ قبر الكُردي
أفكّر في الكُردي الذي ذاق حصرم الأيام
أفكّر في الكُردي الزرادشتي؛ الأزداهي المتناقض مع نفسهِ؛ الذي يخفض رأسهُ في الجنوب ويرفع مؤخرتهِ في الشمال حالماً بفردوس الضاد؛ في الذي ترك قممه المخروطيَّة؛ ومَلَكَ الطاووس؛ وجبة إفطارٍ طازجة لإيديولوجية الصحراء الخارجة من روث الحيوانات المجففة تحت ظل النخيل.
" مشهد ثالث "
أُفكّر في مضافات الكرد السياسية
هل أكتب لك عن مضافة "يكيتي" أو عن مضافة "آزادي"أم عن مضافة" الوحدة المتشرذمة في وحدتِها وعن يافطتِها الديمقراطية؛ هل أكتب لك عن (تكية) ماركس ولينين وتروتسكي؛أم أحدثك عن "مام حميد الخالد في مضافتهِ الديمقراطية"، هل أحدثكَ عن المضافات السياسية التي تأسست بطرق شرعية بمعية حزب العائلة الحاكم وأخرى غير شرعيّة تبحث عن شرعيَّةٍ لها؛ كلقيطٍ باحثٍ عن أبيهِ!
بماذا تريدني أن أفكّر!
أفكّر في زعماء مضافاتنا المرشومين الملجومين الطازجين والبائتين، المتناقضين المنقسمين على أنفسهم، اللاهثين خلف المناصب ورزم النقود، تاركين الغبار يتراكم فوق حلمنا، الذين يمثلونَنا في المضافات الدولية؛ أفكّر فيهم، في الذي صنع لنفسهِ ماضياً ثورياً نضالياً، متناسياً متجاهلاً أنهُ كانَ حتى في الأمس القريب إسكافياً يلمع أحذية الجلادين وقابضي روح الشمال!
"مشهد رابع"
عفرين
لن أحدّثَكَ عنها
سأدع الزيتون يُحدّثك عنها بمرارة الليمون وحد السكّين.
"مشهد خامس"
أُفكّر في كسر زجاجة الحرب ليخرج منها وطني وسأبيعها خردة إلى الأعداء إذ عدتِ إليَّ، أُفكّر في الكتابة عن خرم الإبرة الذي دخلت منه إليكِ لأجدك عارية تنتظرينني بشغف و تشعلين شهوتكِ ضياءً لي، في الكتابةِ عن قبلاتنا التي صهرت جليد قطبيّ اللقاء، في الكتابة عن فمك الذي التهم قلبي أنا، في الكتابة عن انحنائي فوق جسدكِ، في الكتابة عن سعادة ذلك المنعطف في مدينة الأنبياء حين شرحتِ لي صدركِ، في الكتابة عن رقة أناملكِ وعزفكِ الكلاسيكِي على حبال قضيبي، في الكتابة عن انتهاكنا لحرمة القبور حين تعانقنا وتوحدنا بين الأموات هاربين مختبئين من أعين ذويَّنا، في الكتابةِ عن عبوري بأمانٍ معكِ مضيق النيرفانا، حين استندتِ إلى السماء براحة قدميَّكِ ،في الكتابة عن بنطالك الأسودِ ومؤخرتكِ التفاحية، في الكتابة عن سعادة يومكِ حين قذفت بنفسي سائلاً لزجاً في حياتكِ !
"مشهد سادس"
سوريا شاطىءٌ لـ بحيرة دماء تعرّى العالم أمامها
سوريا صنبور ماء تتسرب منهُ الدماء ليروي ظمأ هذا العالم
سوريا مثوانا الأخير؛ أريد الكتابة عنها، عن يساريها المتناقضين ويمينيها المنافقين، وعن مخابر التحليل التي حلّلت الدماء والبول ولم تحلّل لنا الخمور.
"مشهد سابع"
تمهل
أريد ربط سيور خفّي الرياضي لـ أصعد قمة قاسيون وأتبوّل في وجه الذي دمر دمشق وسحق خصلات ياسمينها.
أريد صعود قمة "مش ته نور" لـ أبصق في وجه من حاول تلويث نقاء الشمال.
أريد صعود قمة "شرمولا" لـ أبصق بسائلي المنوي في مؤخرة الذين حاولوا احتلالها ...!
"مشهد ثامن"
أُريد الكتابة عن خفق المجاذيف، لكني أُريد للحليمات الذوقية لـ أسماك بحر "إيجه" أن تحدث أبنائي عن لذة جسدي!
"مشهد تاسع"
"والشمال امتحان
جهة الضجر الكبيرة سيدة الجهات في امتحانها
تأخذ كل شيء لتعطيك البسالة والتهور
وفي أضعف حال تجعلك وكيلاً على ملك لا يُرى،
أو حارساً للهواء، مصادفات متواصلة في شمال لم يكن وجوده إلَّا مصادف
إذ لم تكن للأرض من قبل إلاَّ ثلاث جهات" *
*قصيدة للشاعر سليم بركات