الأحد 22 كانون الأول 2024 | 10:0 صباحاً بتوقيت دمشق
آنا عكاش

أعيديني إليكِ يا دمشق

أعيديني إليكِ يا دمشق
وجهة قصر الحير، المتحف الوطني بدمشق (إنترنت).
  • الثلاثاء 9 تموز 2019

دربكم أزرقْ...
كل يوم تقريباً... أتصفّح صور الموتى..
يطلّون عليّ..
مبتسمين.. في كامل أناقتهم..
يحملون أطفالهم.. ووروداً حمراء..
يزورون مرضاهم..
يقرؤون.. ويرْسِمون..
ويغنّون..
ويطالبون بحقّهم.. في حياةٍ من دون ذلّ..
بالعدل للآخرين.. وبالإنصاف..
فهم ليسوا مجرّد أرقام ممحيّة من سجلّات الدّولة..
على مسافة كبسة زرّ واحدة.. مِنّا..
على الموقع الأزرقْ..
فأعلّق.. دربكم أزرقْ...
كزرقة السّموات السّبع..
دربكم أزرقْ..
كموجِ بحرٍ يحمل زورقكم على مهلٍ إلى عالم آخر..
***
دمشق
لم يبقَ لي إرثٌ من بيت جدّي في ساحةِ شمدين سوى "مدقّة" باب على شكل يدٍ بأصابع مضمومة..
أفكّر بالذّاكرة الّلمسيّة لمعدنها النّحاسيّ الأصفر.. كمْ من يدٍ عانقت أصابعها لتدقَّ هذا البابْ...
تتوزّع قبورهم الآن على سفح قاسيون وتحملُ الغربة الآخرين بعيداً عن دمشق..
هل ستعرفهمْ لو عانَقَتْها أصابعهم الآن؟
فلا البابُ عاد موجوداً... ولا البيت...فقط تلك "المدقّة" التي أحتفظ بها في بيتٍ لا يكشف من نوافذه أضواء قاسيون ..
أين أنا من ذاكرةِ أبي عن دمشق التي أحاول استنشاق تفاصيلها؟
أين أنا من مقام الشيخ محي الدّين والحارات الضّيّقة المحيطة به، المفضية إلى بيوتِ خالات أبي..
أين أنا من ذاكرة نهر يزيد الذي روى أهلها مشبعاً ذاكرتهم بطعمه لسنين؟
أين أنا من مقام الأربعين وأيّام الزّيارات؟
لو أستطيع فقط أن ألمس بكفّي موضع يدِ جبريل في سقف المغارة..
أضمّ أصابعي على "المدقّة" النّحاسيّة لذاك الباب البعيد عن الذّاكرة.. ليفتح لي، فأقطف ثمار 'الأكي دنيا' من الشّجرة المزروعة في حوض أرض الديار.
أعيديني إليكِ يا دمشق..
أعيديني..
فللمدقّات النّحاسيّة على أبوابكِ ذاكرة.. وللأصابع ذاكرة.