السبت 21 كانون الأول 2024 | 9:23 مساءً بتوقيت دمشق
زنوبيا ظاهر

نحنُ معشر الأشجار لا ننزف

نحنُ معشر الأشجار لا ننزف
فان جوخ - فنان هولندي (1853-1890) - إنترنت.
  • السبت 1 حزيران 2019

سيناريو قصير لفيلم طويل
يقلقني الصنوبر. صار هاجسي. الصنوبر في مشهد رماديّ، الصنوبر في مشهدٍ ليليّ، الصنوبر خلف الطرقات، الصنوبر على الطرقات، الصنوبر أمام البحر، عند الفجر، عند المغيب، الصنوبر في الحزن، في الفرح، في الصمت، الصنوبر في الشعر، الشعر في الصنوبر...
رأيتُ شجرةً فبكيتها وبكتني، ثمّ تلوّيتُ مثلها، وحيدةً في فراغ الريح، ثمّ تذكّرتُ ليلةً كنّا فيها نتأمّل الصنوبرة أمام بيتك. هل تذكر بذور الشعر الّتي زرعناها هناك؟
عبث العالم الّذي شكّلناهُ في أبعادِ البلّورات؟ أعيننا وحبّات المطر؟
يقلقني مشهد صنوبرة في بؤبؤين محدّقين، في عيني قطّة،
في عيني امرأةٍ، في عيني طفل، في عينيكَ.
وعيناكَ غائبتان في التحديقِ. أو محدّقتان إلى الأبد في الغياب.
عبثًا أحاولُ أن أرمي بعري أغصاني عليهما. فيهما عبثُ الصنوبر.
هل لكَ أن تبقى في فيء حزني، محدّقًا في ظلاله، أنا، الصنوبرة الوحيدة أمام بيتكَ؟
البارحة، انكسرَ أحد أغصاني، أكثرهم أبوّة. لا دم ينهمرُ من عيني.. نحنُ معشر الأشجار لا ننزف.. ماذا بوسعي أن أفعل؟ هل أموت؟ أم أبتلعُهُ؟ هل أدفنهُ في جوفي كأطفالي الّذين ماتوا؟
الأغصان الّتي تتكسّرُ على أمّهاتها، جاحدة.
تذكّرتُ، وأنا أبتلعُ يباسي، ما قالتهُ لي الأرض، منذ قررت أن أتألّم، بإنجابِ كلّ رجالي..
سيقولُ أطفالكِ أنّكِ امرأةٌ عقيمة، وستضحكين ساخرةً حزينةً...
****
سيناريو لفيلمٍ لا ينتهي
مرّةً بكيتُ رجلًا خرج من الحانة من غير أن يعانقني. كان صاخبًا بأعماقهِ لا أكثر. يشتمّ هول بكائي المتكوّرِ في كأسٍ أمامي.
مضى...
بكيتهُ لليالٍ طويلة. لا لسبب إلّا لأنّني حلمتُ بيديه. يداهُ تصلّيان لخصري. تلملمان ما أسقطهُ الله بالنسيان.
كنت حزينة حينها..
لكنّني غفرتُ لهُ.
لا لسببٍ إلّا لأنّ حزني فارغٌ، ومتشابكٌ مثل أوردتي،
ولأنّ الرجال الّذين تسلّقوا شَعري، مثلهُ، لم يقبّلوا آثار أقدام الفراشات عليه، ولا آثار أقدام الشياطين.
ولأنّني أيضًا ملعونة، ولأنّ حياتي قصيرةٌ، لكنّها بطيئة، كانزلاق الخمر في دمي.
**
إلى الآن،
لا زلتُ أحتاجُ إلى التلوّي في احتمالات الطرقات، بعد كأسين من البكاء، لا زلتُ أقف فوق المنحدرات طويلًا، لا زلتُ أرمي بنفسي فيها بعد جرحٍ في رئتيّ، بعد الحبّ،
لا زلتُ أرى رجلًا لا قعر لعينيه، في ليلٍ ما، وأسمحُ لهُ بالخروج، من غير أن يقبّل يدي الحزينة.
لكنّني، لم أعد أغفر له.
**
سيول
النزيفُ
سربُ الفراشاتِ حولَ النهايات الساطعة
النهرُ العابرُ معمّدًا أمواتهُ،
ظنّي
بأنّي
سأنزوي في فمِ الريح
قبل المغيب
لأنجو...
البدرُ حين يشتمّ دمي
برغم رائحة البنّ
ورائحة عنقِكَ...
هذي الفجائعُ كيف ألجمُها؟