الأحد 24 تشرين الثاني 2024 | 0:16 صباحاً بتوقيت دمشق
نجيب نصير

السؤال معكوساً...!

السؤال معكوساً...!
جانب من مكتبات الرصيف بدمشق (انترنت)
  • الجمعة 3 أيار 2019

لطالما تم السؤال على الشكل التالي: هل تستطيع اللغة العربية استيعاب وتحمل منجزات العصر في حقول المعرفة وتطبيقاتها المشخصة والمجردة و"الشعر منها"؟ وطبعاً كانت الإجابة بنعم مطلقة ومؤكدة، مرافقة بتوتر شعاراتي أهزوجي مؤدلج، وإطلاق التهديدات في وجه كل من له رأي مختلف حتى إن لم يكن معاكساً.
طبعاً لم يخطر بالبال أن يطرح هذا السؤال معكوساً، ومنطلقاً من أن اللغة هي وسيلة التفكير كما في السؤال في صيغته المتداولة غير المعكوس، وعليه ربما علينا أن نسأل هل هذه المنجزات تستوعب العربية وتحتملها، بحيث يمكن التساؤل هل يمكن للشعر الحديث يستوعب هذه اللغة وأثقالها التاريخية والتراثية والفلكلورية؟
لقد مضى وقت طويل ونحن نمارس حوارات و"جدليات" الطرشان المتمططة على طول السنوات المئة الأخيرة، ولكن لم يصل أحد إلى أحد، فلا الكواكبي استطاع الوصول الى عقل أبو الهدى الصيادي، ولا أبو خليل القباني استطاع اقناع سعيد الغبرة بالمسرح، ولما يزل الخطان متوازيان لا يلتقيان على الرغم من وسيلة التفكير والتعبير واحدة، وإلى يومنا هذا لا تواصل بين العلماني والتراثي بواسطة اللغة.
وعليه يبدو الشعر "العربي" في مأزق، فلا ديوان الشاعر الحلبي أورخان ميّسر (سريال) يشفع أن اللغة استوعبت هذا المنجز العالمي الحديث، ولا مجلة (شعر) بزخمها وجبروتها استطاعت أن تفرض هذا التحديث، فكانت التجربة باللجوء إلى اللغات الأخرى، فصدرت الأشعار بالفرنسية والإنكليزية لشعراء ناطقين بالعربية ويعيشون في ديارها، ولكن عندما يفكرون بالشعر الحديث وينتجونه بوسيلة اللغة فإنهم يفكرون بلغة أخرى، وهنا يبدأ حوار طرشان آخر حول الثقافة المغربة، وهو حوار خارج دائرة قدرة استيعاب اللغة للمنجزات الحداثية، ومعركة وهمية دون اختصاص معرفي.
الشعر هو تجربة معرفية، والمعرفة هي ما آلت اليه البشرية الآن في كافة صنوف الإبداع، وعكس السؤال يترجم في الواقع الى حركة الترجمة والنشر، وكذلك الحضور الفاعل على الشبكة العنكبوتية كواقع إجباري، فهل كانت نتائج أداء هذين القطاعين (على الأقل) تعبر عن ضرورة الحصول على هذه المعرفة البشرية المسماة شعراً؟
تبدو النتائج تحاكي السؤال المعكوس أكثر من محاكاة السؤال في صيغته المكررة والمتداولة، وبالتالي وجود تحديات مختلفة وجديدة إذا سمحت اللغة بالتفاهم والحوار بين السؤالين وأهدافهما.