إخفاقات شعريّة جديدة
بول كلي (1879-1940) فنان من سويسرا
- الأحد 1 أيلول 2024
كشفت شاعرة سورية، مؤخراً، جملة من السرقات الأدبية في كتاب ضم مختارات شعرية لعدد من الشاعرات السوريّات. كان هناك مقاطع كتبتها مُعدّة هذه المختارات، وقد أخذتها بالكامل نقلاً عن منابر أخرى لكُتّابٍ آخرين دون الإشارة إلى المصدر، وكأن الأمر أخذ شكل السطو على مجهود الآخرين والاستخفاف بعقول القرّاء، وقبل كلّ شيء؛ الاستخفاف بالشّاعرات السوريّات المُشاركات في هذه المختارات التي طُبعت في دمشق مطلع العام الجاري.
أعتقد أن هناك فرقاً كبيراً بين التأثّر بتجربة شعريّة لشاعر مشهور، وبين استعارة كلماته وصوره وأسلوبه بشكل شبه متطابق! أعتقد أن التأثّر؛ قد يأتي بصيغة متواضعة، بضع لمحات في الأسلوب، أما وأن يتم نسخ الكلمات ذاتُها وتدويرها ببلاهة تحت حجة التأثّر؛ إنّما هو استسهال مباشر وإساءة لذكاء القرّاء، ثمّ إساءة للشعر وسرقة موصوفة تحتاج أن يقف اللص-الشاعر/ة ليتراجع عن ذلك بصدق.
إنّ الاعتذار هنا عن حماقات السطو، يمكن أن يخفّف قليلاً من ثقل الخداع القادم من سلوكيات أشخاص يحسبون على "النُخب"، إذ إن المشكلة هنا ليست فقط باقتباس معدّة المختارات لنصوص الشاعرات، رغماً عن معظمهن-حسب ما علمنا- إنّما هو ذهنية الفرض العسكريّة الذي قامت به تلك "المُعدّة"، فما قصة هذه الطباع؟
كنت أتابع تصرفات عدد لا بأس بهم ممن يزعمون بأنهم يعملون في حقول "الإبداع" في سورية، إبان اندلاع التظاهرات عام 2011، ثمّة من تبنوا خطاب السلطة، ووقفوا ضدّ النّاس في الشارع، بل وحرّض بعضهم على العنف والقتل بكلّ راحة ضمير. وحين لا تساهم الثقافة بمكافحة خطاب الكراهية على كلّ جانب، سواء بالجلسات الثقافية أو بالنصوص والكتب "الشعريّة"، فإن تلك الثقافة تأخذ شكل الجريمة الأخلاقيّة!
من اصطف منذ بداية الأحداث في سورية إلى جانب السلطة الثقافية، وراح ينشر هنا وهناك نصوصاً تدين من يعارض الاختلاف الفكريّ مع السلطة، لا يمكن أن ينال الثقة مهما زعم تمسّكه بالعمل "النسويّ" أو/ و "دعم المرأة السورية" وزجّ أصوات شعريّة بكارثة منشورة متوجة بفضيحة السطو.
أعتقد أن الشّعر بالنسبة لي هو عبارة عن مزاج فردانيّ دون أدنى شك، عوالمه وتجاربه، ذاتية للغاية. ثمّة من يريد الركوب على أكتاف الشّعر ومن يكتبه، تحت مسميات انتهازية؛ لعلهم يتلوثون قليلاً بالقصائد! أحياناً قد أشجع على المختارات الشعرية فيما لو كانت سوف تترجم من أو إلى اللغة العربية، ولا أجد مبرراً لتقديم تلك الأنواع من الكتب إلا لتكريس نوع من الأبوة التسويقية للشعر.
إنّه أمر مؤسف أن يتمّ جرّ الشّعر إلى أخلاقيّة فاسدة ثقافياً، وكنت أعرف جيداً أن هؤلاء الذين لم يقفوا يوماً مع النّاس حين انتفضوا ضدّ الظلم والطغيان في سورية، ضد الانتهازية الثقافية، كان بالنسبة لهم، أمراً طبيعياً ارتكاب السرقات الأدبية والفكرية.
إنني أدين تلك الأفعال، وأدعو للاعتذار من القرّاء ومن الشاعرات اللواتي سوف يعانين بلا شك نتيجة تلك المهزلة التي استثمرت عوالمهم وتجاربهن الشعرية.