الثلاثاء 3 كانون الأول 2024 | 7:47 مساءً بتوقيت دمشق
الشيماء خالد

الدَّهشة المَفقُودة

الدَّهشة المَفقُودة
بات ليبسكي (1941) فنانة أمريكية
  • الأثنين 1 تموز 2024

قُلتُ وداعاً للدهشة، منذ زمنٍ ليس
بالبعيد،
كان ذلك بعد أن صرتُ غير قادرة
على ابتلاعِ المزيد من الحزن
وحين تكدّستْ عند بابي أطنانٌ من الوحدة
فسحبتُها إلى الداخل دون معُونة من أحد
صرتُ لا أعرف معنى أن أندهشَ
أو أن تجحظ عيناي
قلتُ وداعاً للدهشة، منذ آخر مرة قلتَ لي
فيها بأنك خائفٌ على نفسكَ مني
ومن تلك المشاعر الهائلة التي لن يتسعَ لها
قلبك
كانت رغبتي بالبقاءِ مخيفة، فأشفقتُ
لا أدري عليكَ، أم على نفسي ومشيت
سمعتُ قلبكَ يئن لرَحيلي،
لكنك فضّلتَ
أن تظل مبتسماً وعينيكَ لا تنظرانِ باتجاهي
قلت وداعاً للدهشة، منذ اللحظة التي نظرتُ
فيها إلى صدري،
فَلم أعثر على جزءٍ فارغ
لأستقبل خنجراً آخر،
أراهُ راكضاً باتجاهي
ليُصيبني، أرفعُ رأسي فأرى وجهاً أعرفه
قلت وداعاً للدهشة، وكلُّ حديثي صار مُكرّراً
لا أعنيه،
أقول "ليلة سعيدة"
عوضَ ذلك
كان بودّي أن أقول هل ترضى بأن أقاسمكَ
بعض الأرق لتجرّب طعمه وأنت تغرقُ في سوادِ
الليل
أقول كيف حالك؟
عوض ذلك كان بودي أن أقول
أتمنى أن تغادرَ الحياة بصدرٍ سليمٍ خالٍ من
الخناجر المصوّبة من وجوه تعرفُها
قلت وداعاً للدهشة،
ولو تَسلّل لحُجرتي فِيلٌ مُهاجر ليلاً،
كنتُ لأفسحَ له الطريق فيدخل
دون أن يمسح قدميه المُلطّختين طيناً
أتركُ له مكاناً على السرير فيُشاركني إياه
أقاسمهُ الوسادة،
دون أن أنزعجَ من أذنيه الكبيرتين،
أحكي له لدقائق قبل النوم عن
لويزا البدينة،
التي كانت تَذكرُ عني عيوباً لا
أملكُ أيًّا منها،
ثم أطلبُ منه بلطف، وأدعوه
ليصطحبني غداً إلى النهر القريب،
فنلعبُ
ونقفزُ في الماء البارد حتى المساء
قلتُ وداعاً للدهشة،
ولو سمعت في نشرة الأخبار
عن نبأ غزوِ الضفادع للعالم،
حينها
كنت لأتعلم القفز والنقيق والتحديق
حتى أُضيف لهذا العالم ضفدعاً آخر
قلت وداعاً للدهشة،
قد أصحُو صباح يومٍ ما
فأفرغ الحليبَ في الصحن لآكله،
ثم أقشّر تفاحة،
وأقطّعها في الكأس لأشربها
ثم أنزلُ للمتجر القريب
أختارُ أغراضاً وأسألُ
البائع الجاد بعفوية،
هل يمكنُ أن أدفع بقصيدة
قصيرة؟ يستغربُ، فأعيدُ السؤال،
هل تقبضُ لقاء المشتريات
قطعةً من فن، بها سحرٌ
يدفعكَ لأن ترمي هذه الكراتين جانباً
وتكتشف أنّ لك قدمين
فتنهضُ من مقعدك
وتخرجُ فتصيح للعالم،
أنا حرّ، ولي قدمان
فلماذا اخترتُ الجلوسَ على الجري
قلتُ وداعاً للدهشة،
ولو صحوتُ ووجدتُ بدلَ
ذراعيَّ جناحان، لكنتُ أمسكتُ المشط
ومرّرتهُ على الريش الأبيض الطويل،
الطويل جداً
أحركهما قليلاً،
وأشعر بهما كأنهما جزءٌ قديم
مني، وأفردهما
فأطيرُ وأجولُ المدينةَ
في دقيقة.