"كاردل" شيطان نصوص الحب لـ محمد رضوان
غلاف الكتاب
- الجمعة 3 أيار 2019
تبدو التجربة في الكتابة الشخصية هاجساً لدى من يريدون التورّط في الكتابة ومنهم الكاتب الشاب محمد رضوان الذي يصدر له كتاب "كاردل" في طبعة رابعة، عن دار فضاءات الأردنية.
يستخدم رضوان اللغة البسيطة في التعبير عن عواطفه وأفكاره. وهو يقرّ- وربما يعترف- أنه قد يكون في كتابته هذه آخر ما سيكتب في العالم الأدبي، لكن هذه المواربة ربما هي دعوةٌ منه للاستمرار في الكتابة، فالكاتب الشاب يسعى خلال صفحات كتابه إلى نفي الكثير من الأشياء ولكن المعنى لهذا النفي يبقى قابلاً للإثبات، بين تجربة الحقيقة أو الخيال تندرج كلماته البسيطة شارحةً رحلة الحب التي عايشها وفشلت ليكتب عنها بألمٍ؛ مترافقاً مع شيطانه الذي أسماه "كاردل".
لا يظهر عبر صفحات الكتاب الكثير من العمق الثقافي التنظيري بالمعنى الأكاديمي للكتابة، بل إنه يعتمد على ثقافةٍ عامةٍ أقرب إلى ثقافة العصر وثقافة الجيل، مستخدماً لغةٍ مغرقة في البساطة تتراوح بين الكتابة الساذجة و الذكاء الإبداعي، وكثيراً ما يعتمد على الكلمات العامية الدارجة مبتعداً عن تفصيحها القاموسي وإن كان تفصيحها سهلاً ومعروفاً فيستخدم لفظة "البرندة" على سبيل المثال بدل "الشرفة" ويستخدم كلمة "الجيم" عوضاً عن "النادي الرياضي" وهذه أمثلة لكلمات كثيرةِ متناثرة، كما يصرّ أن يكتب كلمة "حومرا" بلكنته الفلسطينية بدل كلمة "أحمر الشفاه أو الحُمرة" في بحثٍ عن التفاصيل وذهابٍ للغةٍ تقترب من البوح أكثر منها إلى العملية الإبداعية ولكنها تشبه لغة الناس كثيراً وربما هذا ما يفسر السعي إلى اقتناء هذ الكتاب وانتشار قراءته وتكرر طبعاته خلال زمنٍ قصير نسبياً.
يقول النحويون إن الجملة الاسمية تفيد "ثبوت الوصف للموصوف، لأن الخبر في الحقيقةِ وصف، وتفيد تفاوت دلالتها على الثبات وليس على درجةٍ واحدةٍ منها ودلالة الدوام بمعنى عدم التجدد واستمرار البقاء في جميع الأوقات" والكاتب رضوان يكتب بصيغة الجملة الإسمية أكثر نصوصه، حتى تكاد تختفي الأفعال من بعض النصوص، وقد يتقصّد أن يفيدنا في الإخبار عن حالته الذاتيه وارتباطه بشيطانه وحبيبته السابقة:
(نزيف الذكريات بدأ للتو بعد آخر مشهد،
التقرير الطبي يقول: قلبك لا يعمل بالمرة لكنه سريعٌ بسبب وبدون سبب
الطبيبُ أكد لي في آخر مرة أنني في غيبوبة الأبد)
فلو قمنا بقلب الأفعال وجعلناها في بداية الجمل لجعلت الجمل عادية وغير مفيدة للقارئ؛ لكن كتابتها الإسمية رفعت من سويتها وجعلتها بوحاً نصياً يدخِل القارئ في فضول استكشاف ما بعد ه الإخبار المتوالي.
في توهانٍ خالص تجاه المرأة والدين والمجتمع تتأطر نصوص رضوان الذي يخبر عن حبيبته وما يشتهيه وما يكرهه في النساء، مدخلاً النص في عالم ذاته النفسية وتشوش أفكاره تجاه الإيمانيات والعادات الاجتماعية دون سعيٍ لتفسير أو تعليل مرجعيات هذه الأفكار والآراء؛ وإنما استقطاب لبوح متواتر مبنيٌ على خوضٍ انفعالي في تفسيرات السعادة والإحباط
(عليك أولاً
أن تحب مظهرك العشوائي
الجارة العجوز المزعجة في الطابق الخامس
أيام الجمعة المملة والطويلة جداً
هاتفك المكسور أثناء انقطاع الانترنت
شارع الحي في أعمال الصيانة..)
يدخل الكاتب نفسه في آراء ومواقف جدلية تجاه الحجاب والفودكا والشعر والدين، كما يعرضُ تفسيراتٍ خاصة للحلال والحرام ولكنه يذهب أكثر في تحريض نفسه التي يهدف منها تحريض الآخر على القول المعلن تجاه القضايا الخاصة والعامة، ربما يستحق هذا الكتاب الوقوف عنده تجاه تجربةٍ شابة نالت رواجاً معقولاً.
والأهم أن نعرف لماذا نال هذا الاهتمام من القرّاء فهل هو تكثيف لحملة جديدة في الكتابة تعزل الثقافة عن العملية الإبداعية؟ أم أنها موجة إبداعية بشروط خاصة تهرب من القيود التظيرية التي تجعل الكاتب بمصاف المعلم للمجتمع التلميذ، كل هذه التساؤلات تحتاج وقوفاً جاداً خشية اندلاع النار في هشيم الكتابة المنتشر، مع الابتعاد عن أساليب القمع التي تمارس على القلم والتقييد الممنهج الذي عانت منه الكتابة العربية عقوداً بل قرونَ طويلة.