السبت 23 تشرين الثاني 2024 | 11:20 صباحاً بتوقيت دمشق
حسين جرود

اليأس

اليأس
ألبين إيجر لينز (1868 - 1926) فنان نمساوي
  • الأحد 28 نيسان 2024

-1-
يستحق أن أكتب عنه
فلقد رافقني سنين طويلة
ورمى وجهي في سلة المهملات
أبحث في شوارعَ فارغة
تسَعُ خطواتي الممتلئة
لأواري لحظات النهار
التي لم أعُدْ أريد منها سوى أن تنساق
بخفَّة
وتتركني كما أنا
ميّتًا ويائسًا...
لتعرف معناه
فكِّر بكل تلك الأشياء الخادعة
التي سقطت فوق رأسك
وجرَّتكَ طويلًا
دون أن تعطيكَ مجالًا
لتتنفَّس...
واسعٌ ومديدٌ ورحب
كبحرٍ هادئ خالٍ من الصدفة
والمعجزات
تعرف الجثة وجهتها جيّدًا
في مهاوي المدينة
وتتحاشاها
وتسير دون أن تخشى زلَّة أمل
أو بصقة حظ
لا اسمَ لجسدك الممتد
والمعرِّش كسرطان جديد
يشبه غيره
في كل شيء
لا اسمَ لقلبك المتوفِّر دومًا
للجلطات
ولأناك التي لم تصطبغ بعد
بجرأة الفصل والانتحار
تقف الأبنية كأصنام من تمر
على شوارع تغطّي العفن
بطبقات رقيقة من مكياج
رخيص
وتقرأ كلمة سيرياتيل
على جميع الواجهات
مع أنّك خارج التغطية...
أحيانًا تسيح الأبنية كالزبدة
على شوارع تتقيَّأ الجثث
والصرف الصحي
وتقرأ كلمة سيرياتيل
على جميع الواجهات
مع أنّك متصل دومًا
وتلوذ بشقّ غرفة
أو زاوية شارع
تبحث عن قاتلٍ يحتويك...
اليأس
آخر ما نختاره
وهو الأَولى بنا
أرقّ
وأوسع
وأجمل من كل ما نعرفه...
-2-
خذوا وقتي كلَّه
لم أعد أريده
أين أقضيه وقد فقدتُ لذة
النوم
أين أمضي والتضاريس تتساقط
عن وجهي وتكشف أعصابًا تتوفَّز
أين أرميه في أيّة هاوية؟
هل أنا المتعب أم أنّ الجحيم
قد رمى في كل شطآني نجوم؟
تخبزني الأفكار السوداء
على نارٍ معدومة
وتُلقي العجينَ إلى الصباح
هل أنا الميِّتُ عيدًا من جديد؟
في النهاية، أعُدُّ النجومَ وأرتاح أمام الرقم الذي أصل إليه
فهو يضمن لي اليومَ والغد
بعد أن كتبتُ الأمس
كما أشاء على طريقة الأخ الأكبر
-3-
رأسي تفجَّر
رأسي الحقيقي
لا الأسفلُ المتعَبُ
وعيوني على هامش المجزرة
أذناي تسمعان أكثر ممّا يجب
ويعلَقُ فيهما أقل القليل
في منفضة سجائري
جزيرة خضراء
وعروقي
المنسلَّة
والمسحوبة بحذر
من كل أعضاء جسمي
والمرمية على طبقٍ من زجاج
كأس الماء مُغطَّى
أخافُ عليه من حشرة
باب الغرفة يزقزق
وأخشى إزعاج الجيران
وسرير جاري في الطابق الأعلى
يئنُّ مرة أو مرتين كل ليلة
وصوت جاري في الطابق الأسفل
يوقظ أطفاله لصلاة الفجر يوميًا
وقد يضربهم إن تأخَّروا
الموسيقى تنسابُ وتوجعني
أنتظرُ الصباح وحبة أسبرين
لا أريد النوم
منذ شهور
أهرب من النوم
الآن أعيش الألم طريقة
وأحِنُّ إلى الشك
أتقلَّب على جانبي
فأسمع أول صوتٍ للجار الأسفل
ثم
لا موسيقى
بينما يبقى الألم فقط لثوانٍ
يعود صوت جاري
فتتحرك موجة من الألم
القلم قد ينفد منه الحبر
والأذان يبدأ الآن
يبدو أنّ جاري يسبق عصره
هل أنتظر حبوبًا أخرى
في آخر الدفتر
جدولٌ مزعج
النظر إليه
يوجع رأسي أيضًا
ربما عليّ أن أمزِّق المزيد من الجداول
ليأتي النهر
ربما قميصي الأسود المعلَّق
يذكِّرني بكارثة ما
من المؤكد أن من لبسه في السنة الماضية
يستحق الرثاء
كان سعيدًا
لا يعرف أنه سيكون هنا
بعد سنوات
خارج القميص
القميص الأحمر يذكِّرني بالجوع
والأزرق بعبودية طويلة
ولا ألبس قمصانًا فاتحة الألوان
أحسُّ داخلها بالخطر
كأنّي مولود جديد
لا ذكريات جيدة تجمعني باللون
الأبيض أو ما سواه
لكنّ الألوان الأخرى
خطرٌ معروف المصدر
والأبيض فخ
احتمال مجزرة صغيرة
هل أشكر هذا الألم الآن
لأنه يذكرني بوجودي
وتحتي إسفنجٌ قاسٍ
وفوقي سقفٌ مرتفع
وفي الغرفةِ ضوءٌ أبيض قوي
ربما لم أنتبه إلى أنّه
قد يكون سبب أرقي في الشهور الأخيرة
لكنّي أستبعد ذلك...