صوتي حبل نجاتي
سابين بلاشا (1932-2008) فنان روماني
- السبت 9 أيلول 2023
لا أملك أي مشروع في الكتابة ولا هدف لي منها؛ الكتابة عندي تعويض عن الثرثرة، أنا رجلٌ ثرثار يمكن أن أتكلم لساعات عن أغنية أو رواية أعجبتني أو امرأة أحبها، لكنني لا أملك من اللغة ما يعينني على تحويل ذلك إلى كتابة جديرة بالقراءة تجنبني إحساس الذنب تجاه أي قارئ مهما كان بسيطاً.
أنا رجلٌ ثرثار جداً؛ أحب تلك الصفة الأصيلة فيّ.
صوتي حبل نجاتي، لكنّه حبلٌ رقيق على أية حال، يسهل على من يشاء أن يقطعه من غير عناء؛ ولا يحتاج أحدهم إلى أكثر من أن يغلق الهاتف في وجهي ليفعل ذلك.
وما أكثر الذين فعلوا؛ إخوتي والأصدقاء والحبيبات.. كلهم عرفوا كيف يعاقبونني بالصمت.
كان يمكن أن أبقى في حكايتي الأصلية فأكون حكّاءَ القبيلة، لولا أن المؤلّف حذف الدمع من عيون البدو، فتنازلتُ عن دوري وبقيت على تخوم الحكاية أستوقف العابرين في النهار أطعمهم من زوادة مفرداتي الشهية، وفي الليل أبكي على أهل لا يبكون.
نفدت مفرداتي ولم يبق منها سوى مفردة (وحيد) يغص العابرون بها.
أنا رجل ثرثار؛ قلت لامرأة أحبّتني في الحكاية الأخرى: خذي البحر والموج والرمل والزبد، لا أريد سوى الهدير.
فلم تفهم.
ووقعت في حبّ السّجان لأنه لم يعاقبني بالصمت يوماً، وكلما قلت له (صباح الخير) أجابني (ينزع صباحك يا ابن الشرموطة).
أنا رجل ثرثار؛ لم أرغب أن أكون روائياً، أعرف أنني سأوزع جثتي على أكثر من مقبرة ولن يتعب أحد نفسه في متابعة السرد ليعرف أين يجدني.
أميل إلى الشعر حين لا يحتمل الآخرون سماع ثرثرتي؛ أحب العبارة المكثّفة المدكوكة بإحكام.
وأكره نفسي حين أكتب كلاماً كثيراً -كما أفعل الآن- فقط لأقول: اشتقت إلى صوتي.