الشّعر.. إذ يعود للحياة!
وليد الآغا - فنان سوري
- السبت 13 أيار 2023
يسعى أغلبُ المُشتغلين في الشّعر من ناشرين وشعراء ومتابعين، إلى تحميل الشّعر أشياءً أكبر من طاقته وقيمته الأدبيّة. إذ نقع بين حين وآخر على تقييمات تطالب القصيدة أن تلبس ثيابها الميدانية وتنزل إلى ساحة المعركة، تقنص هذا وتترك سمومها في كأس تلك! ومتى أصبح النصّ أبعدَ من الإنسان، صار بإمكانه التحوّل إلى أيّ شيء آخر، أيّ شيء؛ باستثناء أن يكون نصّاً لقصيدة شعريّة.
إنّ المزاج العام الذي تفرضه المنابر الثقافيّة والمنابر المتخصصة بنشر الشّعر، يجعلني أشعر باختناق أثناء التذوق، ربّما يعود السبب للكشف المستمر واليوميّ الذي أصبح ملاصقاً لحياة هؤلاء المشتغلين بالشّعر على اختلاف تجاربهم وأعمارهم، كما أنّني أعيش في كثير من الأحيان، صدمات في المخيلة مما قد يتفوّه به شاعر/ة أو ناشر/ة أو متابع/ة للشعر.. على جدران اليوميات الإلكترونيّة، فتراهم يقولون أشياءً معاشة ويكتبون أو يدعمون نصوصاً تعاكس ما يعيشونه (!) تماماً وهذا برأيي ما جعل الشّعر اليوم يذهب إلى مواقع أخرى غير حياة الإنسان، ببساطة مواقع غير صادقة، غير إنسانيّة.
هل يا ترى يجب ترك ذلك الكشف بين السّطور مطوياً يمدّ المسافات بين القصيدة والحياة؟ أمّا أن صخب الوجود بات يطارد -هو الآخر- إلى جانب الاستهلاك البصريّ وإنتاج التفاهة والكذب، حياة الإنسان الخاصّة في تلك المجتمعات غير الحقيقية التي تصدرها لنا الصورة المباشرة عبر الجدران الافتراضيّة؟
أعتقد أن الكشف بحدّ ذاته هو المفقود في الشّعر اليوم، إنّي لا ألمس صوت الإنسان في القصيدة، وقد يكون ذلك بسبب تحميلها ما هو غير إنسانيّ أو بسبب تحوّل من يعملون في الشّعر إلى كائنات أخرى لا علاقة لها بالشّعر، يعيشون بشخصياتهم الحقيقية في الواقع وحين يكتبون يرتدون أثوابهم الميدانية تلك التي يتركونها على النص حين يغادرونه.
أعتقد أن الشّعر طريقة حياة، ومحاولات أنسنته التي كانت على مدى العقود الأخيرة، ما هي إلا محاولات لإعادته إلى الحياة الحقيقية وليس إلى "الميتافيزيقيا" أو إلى "الرؤى" أو إلى "الحكمة"، هناك عدد لا يستهان به من التجارب يكتبون شعراً، لكنهم لا يعيشون شعراً وهذا ما سيجعل نصوصهم متشابهة ومكتملة، كما يحدث اليوم مع النصوص الجديدة القادمة من تراكم القراءات والتي لا تعبّر إلا عن زخم صورة من هنا وأسلوب شائك لخليط شعراء من هناك، فالكتابة لا تعيش على الأرض إنّما على الشاشة فقط دون تجربة من لحم ودم، وهنا يأتي دور الكشف الذي لا بد أن يقدم خصوصية كلّ صوت حسب ما عاشه من تجارب صادق.
الشّعر هو تلك الصورة التي لا يمكن لأحد سواك أن يراها، ولا يمكن أن يكتبها إلا صوتك لتكون القصيدة هي روح التجربة، فكيف بعشرات الشّعراء والشّاعرات الذين يتناسلون ويتشابهون باللّغة والمحاولات اللغويّة؛ والتي تفتقد للشعر والتجربة، كيف بهؤلاء الذين يعتبرون أن فرصة الحياة هي فقط ما يقرأ ويتم تعلّمه من نصوص الآخرين، كيف بهم أن يروا الحياة بعد كلّ ذلك الهرج والمشاغل غير الشعريّة؟