صدور الأعمال الشعرية الكاملة لـ بسام حجّار
غلاف الأعمال الكاملة للشاعر
- الجمعة 8 آذار 2019
صدرت حديثًا في بيروت، عن دار الرافدين ومنشورات تكوين، "الأعمال الشعريّة الكاملة" للشاعر اللبناني الراحل بسّام حجّار، في مجلدين من القطع المتوسط وبإعداد وتقديم الشاعر علي محمود خضيّر، ويأتي صدورها متزامنًا مع افتتاح معرض بيروت الدولي للكتاب 2018.
وقد ضمّ الكتاب الذي تجاوز مجموع صفحاته (950) صفحة بمجلده الأوّل، المجاميع الشعرية التالية: "مشاغل رجل هادئ جدًا"، "لأروي كمن يخاف أن يرى"، "فقط لو يدك"، "صحبة الظلال"، "مهن القسوة"،"مجرّد تعب". فيما ضمّ المجلد الثاني المجاميع التالية: "معجم الأشواق"، "حكاية الرجل الذي أحب الكناري"، "بضعة أشياء"، "كتاب الرمل"، "ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي لإدوارد هوبر"، "تفسير الرخام". صمم غلاف الكتاب الشاعر محمد النبهان فيما كانت رسمة الغلاف للفنان حامد سعيد.
في مقدمة الكتاب، كتب الشاعر علي محمود خضيّر: "جمع بسّام حجّار في شعره خصائص ظلت علامةً دلاليةً على فرادة لطالما نشدها كشافو الجوهر الإبداعي الذين قدموا برهانهم في الكتابة. كتب بسّام عن الهشاشة والصّمت، عن الغياب والعائلة، وصعّد عمارة شعره على لبنة الفكر والفلسفة والإرث العالمي للشّعر، مُستندًا إلى ثقافة ورؤيا لا تعوزها اليقظة. هو شاعر القلة بمعنى أنه شاعر العمق لا الوفرة، الهمس لا الصراخ. قد تكون موضوعاته محدودة، لكنه عالجها بأنماط متنوعة من قصيدة النثر جعلت قصيدته حيوية ومرنة إزاء قارئ متباين المستوى. كان يتعامل مع اللغة بوصفها تجربة عيش. شعرُ بسّام فرصة لمراقبة التجربة المعاشة وهي تتحول إلى لغة. ولهذا فهي تجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد".
يشار إلى أن بسّام حجّار (المولود في 1955) يعد من الشعراء اللبنانيين البارزين الذي أضافوا قيمة جوهرية للمنجز الشعري العربي الحديث عبر تجربته التي حقق فيها حضورًا مؤثرًا في مجال كتابة الشعر والمقالة النقديّة والترجمة مشكلًا إنموذجًا فريدًا للإشتغال الأدبي الحصيف والمتأني، هذا فضلًا عن اسهاماته الجادّة في مجال الصحافة منذ بداياته في صحيفة "النداء" أواخر السبعينيات حتى رحيله عام (2009 ) وكان وقتها محررًا في صحيفة "المستقبل".
من قصائد الأعمال الكاملة نختار النص التالي:
مَزارٌ بِجَنبِ الطريق
إنّي لا شيء
وحديثي عابرٌ،
مِثْلي،
بين عابرينَ،
لذلكَ
أتحدّثُ عنكَ
إنّي أتحدّث عنكَ
لا عن ظلّكَ الجالسِ –
وحيداً –
تحت سكون الشجرةِ
عند المفترَق
حيث أعمدة تلغراف قديمة منزوعة الأسلاك،
وعابرون يمرّونَ بِسَهْوِكَ
ولا يلتفتون
إنّي أتحدّث عنكَ
لا عن خيالك الماثل أمام عينيّ أو منامي
أتحدّث عنكَ
لا عن المصباح الذي يرفع الظلَّ إلى مصافِ الساحرات
اللواتي كُنّ
ظلالاً ماكرة
ولا عن الأعراقِ التي استخرجتها الأيدي الحاذقةُ
من جوفِ الأرض،
ولا عن المناجم التي كانت تُسمّى،
في حياةٍ أخرى،
مملكةُ الكدّ وأهراء الشقاء
لم يبق أحدٌ
لا أحد هنا سوى أنتَ
ملاذ الهَاجرين بيوتهم إلى الأبد،
لا أحد هنا،
وملاذُكَ أنتَ مثل هذا الأرق الطويلْ
لا أحد هنا يحبّ الحجَرَ
أو يأنَس إلى برودتِه
وصمتِه
حتّى المناماتِ المُرعِبَةِ لم تُبقِ للحجَرِ معنىً
حتّى الشجرة العاقر
لم تثمر يوماً حصاة
إنّي أتحدّث عنكَ،
بفصاحةِ التوهّمِ،
أنتَ
وحدك الحقيقي،
صامتٌ وباردٌ ومزهوّ بصمتِكَ وبَرْدِكَ،
أنتَ
وحدك الحقيقيّ
وإذا أعيتنا الحيلةُ في أمرِ موتانا
جئنا بتقوانا إليكَ
ورِعينَ، مُطرقينَ،
مضمومي الأيدي،
متوسّلينَ
أن تكون ملاذاً لذكرياتنا
وحسراتنا
وخشيتنا من كونكَ الملاذ الأخير
إنّي أتحدّث عنكَ
– كما يتحدّث أحياءٌ عن أحياءٍ مثلهم –
وأتحدّث عن جوفِكَ
الذي هو نارٌ خامدة،
نارٌ باردة،
عن ملمَسِكَ الخشِن الذي يشبه الضغائن الدفينة،
ملمَسِكَ المخادِع
الذي يسري خدراً في الجسم
إنّي أتحدّث عنكَ
أنتَ الحقيقي
عن كتابك الغامض كالمتاهِ
إنّي أتحدّث عنكَ،
لا عن الشواهد والجدران والبيوت والمزارات والصروح
عن الحكمة الموروثة عن سلالتكَ الحجريّة
أتحدّث عنكَ
عن المأثور على قوسِ بابِك:
هنا
جانبُ الظلِّ رَحْبٌ وأبوابُه واسعةٌ والقاصدون كُثُرٌ
وما من طريقٍ إليه
كمنزلٍ ريفيّ وسطَ المروج
لا درب يهتدي إلى بابهِ الضيّق
المتوحّدِ فوق العتبة
لا أنا ولا أنتَ ولا المُبصِرُ في منامِه
ندري ما الخيالات المترائيّة عند مفترَقٍ قريبٍ
بعيدٍ
عائمٍ على صفحةِ السرابِ الذي ترفَعُه العيونُ المترقّبة
المتعبة
المتوهّمة:
شخوصٌ نابتةٌ في الوعرِ كمخلوقاتِ التوهّم،
– ليست من الأنس وليست من الجنّ –
كأشجار سروٍ مُستنفَدٌ هواؤها
كأعمدة تِلِغراف صامتة،
كأناسٍ ليسوا مثلنا،
نحن أرواح البيوت المطمئنّة،
كأناسٍ
ليسوا مثلكم، أنتم
روّاد السُبُل الزائلة،
بل كمِثْلِ المقيمين عند المفترق،
جنبَ الطريق،
أهل المزارات التي لا يأتيها إلاّ غرباءُ
حاملين باقاتٍ وزاداً،
وشموعاً توقَدُ مرّةً وحيدة لكي تأخذ الريحُ،
إذا هبّت ريحٌ،
شعلتَها،
وتبقى، هناك، شموعاً كأعواد البلّور
المطفأة
سكينةٌ مُطبقةٌ يرجّها زعيق السيّارات المسرعة إلى حطامها
إله ساذَجٌ
إلهٌ ساذَجٌ وفتيٌّ وميت
إله ساَذَجٌ – وفتيٌّ
لأنّه ميت –
جَعَلتْ له الأيدي الغريبةُ مزاراً عند المفترق،
كومة أحجار رُفِعَت، مُرتَجَلةً،
بجانبِ الطريقِ،
مطوّقة بباقات وعباراتٍ خُطّت على لوحٍ مُرتَجل،
وصورة –
ما كانَ لبعض الوقت صورة –
في إطارٍ مُرتَجَل
لا أحد هنا،
وهنا
لا تُسمّى القبور –
ولو مأهولةً بالموتى –
تلك التي يخلّفها المسافرون –
قبوراً
بل علامات
لمسافرين سوف يمرّون بها
من بعدهم
ويتركون بجوارها قِربَةَ ماء وأطعمةً وأغطيةً وآثار أقدام،
هنا
لا تُسمّى المواكبُ إليها جنازاتٍ بل
أسفار،
لا تُسمّى القبور إلى جانبِ الطريق
– ولو غير آهلةٍ –
قبوراً
بل مزارات
بيوتٌ مُرتَجلةٌ في العراء
لم تكتمل بعدُ
ولم يقطنها بعدُ
أحدْ
لكنّها، منذ البَدءِ، مأهولة بشخصِ الذكريات
ولا تُسمّى أضرحةً فلا مَن يرقد فيها
مجرّد علاماتٍ يلتفت إليها العابر بسيّارته مُسرِعاً
أو المارّ بها سائراً على القدمين،
ساهياً،
لا أشجار باسقة شاكيةً تحيط بها أو تظلّلها،
لا شواهدَ
لا أسماء
لا أسوار
لا شارات
لا دروبَ
أنصابُ عبورٍ خاطف
إذ تمرّ بها مبتعداً
تتضاءلُ رويداً قبل أن يحجبها المفترق عن عينيك
قبل أن يحجبكَ عنها،
المفترق
أنتَ لا شيءَ
وحديثُكَ عابرٌ، مثلك،
بين عابرين
لذلك
أتحدّث عنّي،
أنا،
العابرُ قليلاً
في ظنِّك