صباح الخير أيّها الحبّ
اسماعيل نصرة (1964) فنان تشكيلي سوري
- الجمعة 8 آذار 2019
أيّتها البلاد المهشّمة المُبعثرة
كغيوم لا تحمل المطر
أيّتها الحبيبة الغريبة عن ملامح الأزقة الّتي أجوبها،
والأبواب الّتي تدق كلّ يوم عظام أصابعي
هأنذا أخرج عارياً كما كلّ صباح
قبل أن استيقظ بلحظات
لأجوب محلات "الأنتيكا"
أبحث لك عن فونوغراف حقيقي وأسطوانة "الحياة حلوة"
عن آلة موسيقية تتحدث عني
تغلق عيني الموغلة بالظلمة والملح.
تمسح دموعي بيديك المغادرتين الجامدتين كرجل ثلج لم يكتمل،
عن أغنية تضحكني كلّما حزنت،
تهزني كلّما بكيت،
توقظني كلّما غفوت لتردني إليك وشاحاً أو سواراً
أو قنينة عطر برائحة الصندل الباهت
عن كفين صغيرتين تدقان الشبابيك مع المطر كلّ صباح
هذه الغيوم المغادرة إلى مكان آخر
تحمل قلبي إليكِ...
هذه الرياح الشديدة المليئة بالأنين والشوق
تنهيدة عالية تخرج من صدري،
أستيقظ كلّ صباح لأكتب لك عن الحياة، عن الموسيقى والشّعر والسينما والحبّ
عن شرائط الشمس الدافئة وسط نهار مثلج،
عن الورد المستورد من البيوت البلاستيكية لعيد القديس "فالانتاين"
عن السكينة في وجه أمي ويديها المترهلتين،
عن ضحكتك المرسومة كوشم على خدود الله وهو يبتسم،
كلّما سمع قهقهة امرأة مثيرة
وكلّما عبس لصوت بكاء طفل جائع...
عن الأضواء الخافتة
والأحذية العتيقة الّتي لا تؤلم قدميّ مهما مشيت.
عن الجرائد الرطبة على البسطات،
وفساتين السهرة المغرية خلف زجاج المحلات الفخمة
عن المشردين والسكارى وأثداء النساء العارية الملقاة في أفواه الرجال
في الشوارع والحانات وغرف الفنادق الرخيصة...
أستيقظ كلّ صباح لأكتب لك عن الخوف والنبيذ والأوراق البيضاء المليئة بالدم والكحل
عن الأرجل المتكسرة على أرصفة إسطنبول
ومحطات الميترو المزدحمة بالقبلات والسعال والشحاذين وعازفي الغيتار والكمنجات...
أستيقظ كلّ صباح لأجلك فقط،
لأتحدث عن أحلامي وفراشي الدافئ
لأقبّلك على مهل،
لأبلل جسدك بحرارة جلدي المثخن بالمسامير
أحبّ الأكواخ الخشبية وأكره البحر
قلتها لمئة فتاة قبلك وكتبتها لك فقط
أنام كي أحلم بحرارة شفتيك على عنقي
لأشعر بأصابعك النحيلة تخترق ضفاف شَعري وملامح وجهي البائس...
أكتب الآن لتقرأ عينيك وتبتسم
لا شيء يضاهي تلك الشفتين الورديتين الدافئتين المتدثرتين بأحمر شفاه قاتم
مثل هالات عينيّ المتعبة من السهر
وهي تحلم بقبلة دافئة على صدر بارد
بعد ليل طويل...