إلّا من الطباشير الملونة في يده
رولا أبو صالح - فنانة سورية
- السبت 22 تشرين الأول 2022
أمنيةٌ مستحيلة لطفلٍ وحيد
بالأمس، في الصف
في هدوءٍ معهود، يجلسُ الجميع
بينما قلوبهم تلهو خارجاً
تنتظر ساعةَ اللعب بصبرٍ يشارف على
النفاد
يجلسُ هو وعيناهُ إلى الأمام
وبيده كأنه يمسك بألوان الطيف
من الطباشير
أحمرُ فأصفرُ فبرتقالي..
ولأوّلِ رقم يُكتب على السبورة
تنمو على جانبي ظهره جناحان
يطيرُ بهما
ناحيةَ اللوح فيكتبُ بدلَ حلِّ معادلةٍ واحدة
اثنين
يعلو مديحُ المُدرّسة له فيفرح
ويمتعض الجميع
ويسكنهم الغضب، فتُبتر فرحتهُ
وتُقطع لتموت
فنظراتُ الغضبِ من الجالسين
نحوه تُرعبه
تخترقه كالسهام..
ويعجز أن يصدّها
ويقول سرّاً
ماذا أقولُ مثلاً؟
أأعتذرُ أنَّ لي عقلاً؟
يرجع مكانه مبتور الفرحة
وعيونهم الصغيرة تلتهمه بصمتٍ
غريب
كان أنيقاً بقميص أبيضَ
كأنه
خِيطَ من لونِ السحاب
ولطيفاً كأنه وُلد في حقلٍ من
ورود
ليست كل نهاية القصص سعيدة
كالتي قرأها
بعضها حزينٌ يستفز الدموع
رنَّ جرسُ الفسحة
لقد بات وحيداً الآن
يشعرُ بخطواتٍ خلفه تلاحقه
لم يعرف..
أيلتفت لهم ويبتسم
أم يواصلُ سيره فيبكي
وصل، واستقر في زاويةِ الساحة
حيث اعتاد
ليجلس على حافة الحديقة الصغيرة
التي لا يفصلها عن حجرة الحارس سوى
خطوتين
توقفَ وتنفسَ،
شعر وكأن الجحيم يقفُ
خلفه
انعكستْ ظلالهم على الحائط أمامه
أشباحاً لا تخافُ من شيء
استدارَ إليهم،
ولم يعرفْ كيف يبتلعُ نفسه
فيختفي
أو يمتصه نور الشمس فيخبئه إلى الأبد
حضرتْ في قلبه ألفُ أمنيةٍ
تمنَّى حدوثها
أغمضَ عينيه..
يتمنَّى وصوتُ ضحكاتهم
ارتفعَ ليسطو
أغمضَ عينيهِ وتمنَّى
النومُ في بطنِ دعسوقة مبتورةِ الأطراف
سيكونُ أهونَ من كلّ هذا
أن تصير دميةً محشوة لا تجيد سوى
التحديق في غرفةٍ مغلقة
سيكونُ أهونَ من كلّ هذا
أن تموتَ خمسَ مرّات بخمسِ طُرقٍ
مختلفة
سيكونُ أهونَ من كلّ هذا
لقد بات وحيداً الآن
وعارياً من كل شيء،
من شجاعته وفرحته
إلّا من الطباشير الملونة في يده
وقُبلةِ أمه الصباحية
على جبينهِ الصّغير..