الأحد 22 كانون الأول 2024 | 6:28 صباحاً بتوقيت دمشق
آرام

هذه هي معموديتي

هذه هي معموديتي
جزء من لوحة لـ أحمد معلا - فنان سوري
  • الأحد 3 تموز 2022

هذه هي معموديتي
فاقرأوا فاتحة الغيب ومذبحة الصدى
اهتدوا يا حفاة الأرض إلى كتاب الريح
اقرؤوا الماء، الكلمة، صيروا على قيد المعنى.

لا جهات في يدي
أبدأُ رحلة الأعماق
لا ملاذ
في حضرة الركام
أنا الصاعدُ، حتفي معي
وأولُ الموت، ولادة.

فليحتفِ بنا شريانُ الوقت على باب الكلام الأخرس
وليقتفِ الصمتُ الهاربُ الأبدي
جثمان الإشارة، مقتولاً بفحواه.

لا سواد
فوضى بياضٍ يخزنُ القيامة في رئتيه
لا نهاية
زحف ألوهي على مسامير تشبثّه.
اليابسةُ ماءٌ طَموحٌ
الماءُ رملٌ تحررَ، وما بينهما سدى.

صفتني تنفيني
بين جهلٍ ومعرفةٍ، حبلُ توجسٍ
وأقصرُ الطرق أطولها.
هذه هي معموديتي التي ليست لي
وليست لأحدٍ
إنها لنفسها التي ليست لها
أتممها قصوراً، بلغةٍ لا تحتويها
وأدشّن بها الكناية.

في البدء
كان القبر، والعالم توابيتُ تتنافس
لا فضاء، إنها العتبة تتثاءب
لا حلم، إنه دم الروح
لا أبد، إنه العدم يركضُ بعكسه
لا كتابة، بل هذيانٌ على شكل حروف
لا شرق ولا غرب، لا شمال و لا جنوب
تلك أشياءٌ تسخرُ من نفسها.

العين لا ترى
الأذن لا تسمعُ
القلب لا ينبضُ
الروح لا تطير
العقل هبوطنا الثرثار
طوبى لك أيها الوهم
يا حقيقتنا.

هذه هي معموديتي
فُتاتُ شهيقٍ في مدار يُحتضر
نبوءة الفراغ
معراجٌ يخبز التأويل
و أقول: مضمرٌ ما أقول فيما لا أقول
و أقول:
أغمض عينيك والتقط خيوط الآفاق و حرّك المجرة.
الهنيهة فحمُ الزمن و هويته
والآن فرنُ التكوين.
السماء فوق وتحت
والشرُ خيرٌ أيضاً.
المكان زماننا الصلب
المكان زمنٌ تحنط
والهواء المسطح زجاجٌ لا يخترقه الضوء.

ابدأ ولوجك أيها الأثير
وادخل مسام اللحظة كما أنتَ
تسرّب في أوردة الأشياء و قل:
أنا أكثرُ من كيانٍ
قل:
كياني، قشرةٌ تبددت.

للوقت قيح البدايات
والحبرُ بلغمُ انتباهنا
يا مصادفة، أنتِ الركوعُ المحض
أنتِ قفصنا الصدري.
كن أفقياً يا وتر الريح، كي لا تتأخر
البكارةُ حجابكِ الفطري.
هكذا تستحضرُ الكُمون وتنقل إليه عدوى الظلال
وتعرّف الحياة بأنها:
موتٌ مستمرٌ
الذروةَ بأنها: القاعدة.

هذه هي معموديتي
طمسٌ صريحٌ لمسوّدة المعادلة
طلاق الوهلة الأولى
انتحار قابلة العبارة
تحالف الظن والفطنة والغيب
تأبين الشكل
عقد خلافٍ مع الأجوبة
احتفاء البعيد بالقريب
احتفاء القريب بالبعيد
قراءةٌ كتابةٌ
للذي لم يُقرأ ولم يُكتب
للذي
لم يُكتب ولم يُقرأ.

أفضحكَ أيها الغبار السائد وأستخفُ بك
أرجُّ سلم الحيلة، أرجّكَ:
النور لا يوضح، النور يؤسس الظلمة.
أرتفعُ بهاويتي وأتحصن بها وأحيا السقوط في القمة 
كل قبضٍ، هباء
كل وفاءٍ خيانة
كل حريةٍ أسر
ابدأ ولوجك الفضفاض
و تنحَّ.. تنحَّ
لا خبر على السياج
تترصدكَ الهجرةُ وتُفتن بأنقاضك
لا قمر بين الضباب
تتلقفكَ الترجمةُ
لا هدنة بين جرسين
الصوتُ تلفيقٌ يختلسُ الرماد.
ارقص، لك صخرة المجاز
لا بقدميك، بل بمخيلتك
واطحن عقلك المستنير واعجنه بأعضائك شظايا
ارقص، لك صخرة المجاز
لا بمخيلتك، بل بشظاياك المتبقية.

هي صرخةُ عابرٍ في مقبرة الهمس
بطيئاً كأن به صرخات من فيها
هي رجعُ نداءاتٍ يؤثث بها خطواته
ويحفظها لوصوله الذي لن يصل
هي لوحه اللامرئي يشطبهُ قبل أن يراه
هي هو، الذي يم يتعرف عليه
هو هي، الذي قال لها يوماً:
بيني وبينكِ المطلق.

ابدأ ولوجكَ المفتوح على ضفتيه، نغماً مائياً موغلاً في
مداه.
ليس لك ما يُطلُ عليك، رطباً فاتراً يدوّنكَ على دفتر القيء، لكَ أنتَ معموديتي.

هذه هي معموديتي
هديرٌ مفارقٌ مقيمٌ، بنتُ مشيئتها
أفتتحُ بها الأوج
وأتوّجُ بها الفناء، جذر الحكمة.
أطع رعشتكَ أيها الهاجسُ
وانثر ملامحك جناحاً جناحا
ولا تنتهِ
كن الحبر والريشة والأصابع
كن كفن الخلود.

هذه هي معموديتي
تقاسيمُ على المعنى
إقصاءُ الضد عن الضد
تنقيحُ الرغبة
تمويهٌ أجتثُ به المنتهى
صلصالٌ أزوّرُ به الموج ولا أرسو.
ألوّثكَ يا عقمَ البداهةِ وأوحي:
تطهري بحيضكِ يا وساوس،
الآن نصلٌ يهبطُ بعاهاته.
لا جهات في يدي
أبدأُ رحلة الأعماق
أنا الصاعدُ، حتفي معي
وأول الموت، ولادة.