الخميس 21 تشرين الثاني 2024 | 4:30 مساءً بتوقيت دمشق
بتول أبو علي

الذين تركتَهم خلفك

الذين تركتَهم خلفك
خليل عبد القادر - فنان من سوريا
  • السبت 2 تموز 2022

 نعي

ماتَ الرّجل
الذي أحببتُه في الماضي
مات
وحيداً
في منفاه
ولا يد حبيبةٍ
لا يد أمّ
ولا حتّى عاهرة
تغسل عن جسده
المضمّخ بالجراح
ترابَ الشّتات
...
مات الرّجل
الشّيطان
الذي نجحَ
في الهرب
من الجوع
من السّجن
ومن المخابرات العسكريّة
ثمّ فشل
في النّجاة
...
مات الرّجل
الواضح
والنّافذ
والحادّ
كَسرَ
القفصَ في رأسه
صارت ذاكرتُه
إلى نكات
تناقلها العابرون
كَسرَ
القفص في صدره
صار قلبُه
إلى ورود حمراء
تشرّبتها سهولٌ غريبة
ترك نظراته
معلّقة
في الفضاء
كغيومٍ شاسعة
نزع ملابسَه
القلادةَ التي تحمل صورة أبيه
وانهمرَ
عارياً
إلّا من تيهه
فوق مسامير الوحدة
...
الرّجلُ
الذي
عبَرَ البحر
ولم تأكله الأسماك
عبَرَ الحدود
ولم يقنصه الجنود
وعبَرَ قارّات الأرض
دون أن يضيع
التَفّ
كثمرةِ برتقال
حول السّكّين
وبيديهِ
قطّعَ
دَمَه
...
الرّجلُ
الذي من كثرة الأحلام المستحيلة
جفّت عيناه
ومن كثرة صراخه المحموم
انطفأ صوتُه
وانهارَتْ روحُه
كجرفٍ
وقفَ طويلاً
على حافّة
...
ماتَ
الرّجل
الوقحُ
والشّرسُ
والأصيل
نجا من البلاد
نجا من الجلّاد
ووقَعَ
في فخِّ
نفسِه

***

لم يعد يعرف كيف يعيش

وها أنتَ
تعبرُ
أراضي المنفى
وليس يجفُّ
عن رأسك
بللُ السّؤال
ليس يجفُّ عن قلبك
مطرُ الحنين
ليس يجفُّ عن قدميك
حزنُ السّفر
وها أنت تعبرُ
طرقات المنفى
في كلّ طريق
وعْد
في كلّ طريق
زهرُ بنفسج
في كلّ طريق
شبَق الماء
وخطوتكَ العطشى
تلهَث
وحنينُكَ
ذاكَ المخبول
يجرّك من شعرك
يعيدك
لئلّا ينغلق
الباب
الذي تركتَهُ موارباً
على البلاد
...
ها أنت تعبر الأماكن
تخونك الحواسّ
تبحثُ
عن المرايا المكسورة
عن لون الجوع
ولعلعةِ الرّصاص
وها بشرتكَ
التي صارت أقلّ عتمة
تبحثُ عن
رأس السّكّين
وها أنتَ
تجتازُ
بكلّ حنق
السّاحة الهائلة
المسمّاة حريّة
وتكتمُ فيكَ الصّرخة
لئلّا تخون
كلّ أولئك
الذين تركتَهم خلفك
يختنقون
في السّجون
...
انظروا إليه
لم يعد يعرف
كيف يعيش
انظروا إليه
يكسر ظلّه
يريد أن يوزّع
على المحروقينَ
أفياءً
يكسرُ قلبه
يريد أن يمنح
فُتاتاً
لحماماتٍ تسافر بالكلام
يكسرُ يديه
يريد أن يناول
أولئك الذين يأتون
في قوارب الموت
من بلادٍ بعيدةٍ
وضائعة
بعضَ المجاديف.

***