السبت 23 تشرين الثاني 2024 | 11:6 صباحاً بتوقيت دمشق
أنس الغوري

لمن يستنكر علينا الكتابة بأبجدية التراجيديات

لمن يستنكر علينا الكتابة بأبجدية التراجيديات
طارق بطيحي- فنان سوري
  • السبت 18 حزيران 2022

هل حُرِمتَ مِن تَعليمِك؟
هل عايشتَ الحرب؟
هل سُجنتَ؟
هل اغتصِبْتَ؟
هل رأيتَ أشلاءَ قريبٍ لكَ ولم تَتَمكن من لَملَمتِها؟
هل تعرفُ اللجوءَ؟
هل تعمل بطريقةٍ غيرَ شرعيّة؟
هل تعمل أربعَ عشر ساعةً لتهرب؟
هل قاطعك أخوتُك المحاصرون في جحيمِ الداخل؛ لأنك لم تُرسل لهم حوالةً ماليّة؟
هل تَخدشُ عيناك رؤية لباسِ الصغار التي ملَّتِ الرتقَ؟
هل تُرعبك ألعاب الأطفال المصنوعة من الفضلات المرميّة عند ناصِيةِ الشارع؟
هل تُدركَ حجمَ الفجيعةِ حينما يكِفُ الأطفال عن طلب احتياجاتهم؛ لإدراكِهم عجزك؟
هل تخشى أن تصلَ رائحةَ وجبة غداءِ الجِيرَان لأُنوفِ الأرقام المحسوبةِ على اللّاعيش في المنزلِ عندكم؟
هل يَمقَتُ جزارُ الحي رؤيتك؛ لكثرة تردد طلبك اليتيم: العِظام، لتُنكِّهَ بها وجباتَ طعامك؟
هل يفزَع قلبك باقتراب قُدوم الأعياد والمناسبات حيث يُصبِحُ الحي محفَل استعراض ألبسةٍ وألعاب؟
هل تسرقُ أَغصان الأشجار لتلقمها في مدفأتك شتاءً؟
هل تتسلَّلُ ليلًا كَلِصٍ لِجمع أكياس النايلون لتأجج مدفأتك بذات الفصلِ؟
هل تَتَحرجُ من ملابسك التي خدمتك أكثر من العمر الذي تتوقعه الشركةُ المصنعة يومًا؟
هل تأملتَ واجِهات مَحَالِ الألبسة والأحذية دون التجرؤَ على أن تلجها؟
هل حفِظتَ عن ظهر جوعٍ صوتَ إيقاع أمعائِك الخاوية؟
هل تقترب كلَّ حينٍ من المطاعم لتطمئن على حاسةِ الشمِّ لديك؟
هل يزدريك ويتهربُ منك كلَّ من عرَفكَ؟
هل تجيد المراوغة إزاء مكالمات ورسائل المؤجر والدائنين؟
هل تثقب قلبك نظَراتُ والدكَ المشلول الذي تأخرتَ عليه كثيرًا بالخروج لرؤية شيء من عجلةِ الحياة بعد أن تضعه على كرسيِّه الصدِئ؟
هل تحلم بامتلاك سريرٍ لك ولكلِّ أفراد أُسرتك؟
هل تقلق من اغتصاب ابتسامة على شفاهك المتحجرة حرجًا من أسنانك المنخورة التي تصلِح تمائِم لعجائزنا المنتظرة على أعتاب الفراغ؟
هل حلمت يومًا أنَّك قادرٌ على دفع تكاليف علاج أمراضك وأمراض بقية أفراد أسرتك؟
هل اتهمك حراسُ الشريعَة بالزندقة؟
هل تسمع جلاجل الجنون داخل رأسك وهي تحطِّمُ جُدران دِمَاغك؟

فإن لم يكن لكَ كلُّ هذا أو جلّه، فعَلَامَ تَستنكرُ عليَّ كنسَ خراب روحي بأبجديّة التراجيديّات؟!

بالنسبةِ لنا، مَرَّت الحياةُ وكفرنا بالأمل!
لكن، سنظلُّ نملأُ هذا العالم الآثم صراخًا، ونرشِقُ جِدرانه بدمِنا الأسود.