السبت 21 كانون الأول 2024 | 8:6 مساءً بتوقيت دمشق
عمر الشيخ

تكديس القراءة

تكديس القراءة
أدولف ولفلي ( 1864-1930) فنان سويسري (انترنت)
  • الأثنين 30 أيار 2022

تتحوّل النصوص الآنيّة، التي تُنشر لساعات على منصّات التواصل الاجتماعيّة الإلكترونيّة؛ إلى صفحاتٍ مؤجلة المحو، ما لم توثقها مواقع إلكترونيّة أو كُتب، ريثما تَدرس خوارزميّة برمجة تلك المنصّات وذكائها الصناعي، مدى التفاعل والحراك المتبادل بين صاحب هذا الحساب أو صاحبة ذاك النص، من ثمّ تبدأ عدّادات التفاعل بالصعود وفق التبادل التفاعليّ بين الأشخاص، وهذا لا يعني شيئاً بالنسبة للقيمة الجماليّة أو النقديّة المُنتظرة من تبرير القراءة المقنعة للأسلوب والمحتوى، هي ذات القيمة التي يحاول الكتّاب، مثلاً، الوقوف عندها وبحث مدى التواصل الذي يحدث بين النص والقارئ، وإذا افترضنا أنّ أفضليّة النشر تكمن في ترتيب النصوص والمخطوطات ضمن كُتبٍ، حفظاً لخصوصيّتها وجديّة انتشارها للتاريخ، سيكون من المُضحك بالنهاية الاكتفاء بنشر أغلفة الكتب على تلك المنصات الافتراضيّة، لعلّ الناس تقرأ، ولكن المثير للسخريّة أنني كثيراً ما سألت أحدهم: هل قرأت كتاب فلان الذي كُنت رحّبت به بمطولات إنشائيّة، كتعليقات على منشوره لصورة "غلاف الكتاب"، فعلاً، وما هو رأيك؟ يجيب ببساطة: "لدي أشياء مكدسة هنا من الكتب كهدايا ولا أقرأ منها شيئاً!" ربما كان ينقص هذه الجُملة "خصوصاً هدايا الأصدقاء" ودعوني هنا أشير إلى أنّ "هذا" قد يكون "هذه، أو تلك، أو ذاك، أو هؤلاء"، الأمر ليس متعلقاً بالكتّاب فقط، هو متعلّق أيضاً بالكاتبات، جميعهم إذاً، جدداً كانوا أم غير ذلك. وعودةً لمفهوم التكديس الواضح، الذي حمل الإجابة على سؤال القراءة، فإنّي أرى في الكلمات انعكاساً لصورة دقيقة عن التعامل العميق ومدى الانحطاط الذي سوف تتجه نحوه تلك الذهنيّات المؤقتة، المغلّفة ببريق الكلمات المجانيّة والمجاملات "المطروشة" على جدران أشخاص قالوا أنهم شعراء، والإتاحة هنا لمسألة الشك باتت منتهية؛ إذ كلما تكدّست كتب، ازداد توسع الجهل اللحظيّ الذي لا يزول عن النظرة إلى الآخر بوصفه ثقلاً حتى لو كان يتشارك معنا تلك الهواجس اللغويّة والفكريّة في كتابة الشعر، إذ ما يهم هو الآن أن نقول له "برافو" و "أصبت" و"بدي أسرقها" و "فعلاً بالضبط" و "جميلة جداً" و "مؤثرة للغاية" و "حبيت" و"كأني بدي قول هالكلام" وإلخ… من تلك الجمل الجاهزة التي عادةً ما يعلّق بها الأصدقاء على نصوص بعضهم البعض، بمعزل عن الاستعداد الحق لتلقي كتاب، منجز، عن تجربة تدل على جديّة الاهتمام وتقدير الشركاء في تلك المساحة البسيطة من هذا العالم المكدّس بالثرثرة والادعاء والطغاة والدجل الثقافيّ.
بقي أن أشير إلى المنصات، إياها، والتي برأيي لا تصنع أدباً، ولأكون محدداً أكثر: لا تصنع شعراً، بقدر ما تروّج لمادة حقيقيّة تحمل ملامح تجربة مختلفة، والمواد الحقيقيّة تكون معهودة في مواقع متخصصة تعكس هويّة التنوّع والتجريب، تعكس تماماً مدى جديّة وتقدير الآخر، الشعر؛ وأركز هنا على المواقع التي تنشر القصائد وأقسام الثقافة التي تهتم بمتابعة جديد الشعراء ومشاغلهم وكتبهم.