الأحد 22 كانون الأول 2024 | 10:12 صباحاً بتوقيت دمشق
مصطفى الخياط

لا أظنك آخرهم

لا أظنك آخرهم
فان غوخ ( 1853 - 1890) فنان هولندي
  • السبت 28 أيار 2022

حين تقع المرأة كجلمودِ امرئ القيس في حبِ رجلٍ يخذلها
تنكمش مثل اقتصاد العالم الثالث في ركنٍ لجدارين من وهم، يكسر البكاءُ صوتَها لحدٍّ تشعر أنها تعيش في حنجرة كلبٍ هَرِم
صادفتُ الكثير من اللاتي وقعنَ في هذا الشَرَك اللامرئي.
حين تُخذل المرأة يبتكر قلبها مضاداً حيوياً ضد كل الرجال
لكني استطعت الدخول في حياة بعضهن مثل الإنفلونزا، إذ كنت أغير صيَّغي بالتعامل
لا أدري ما الدافع من هذا الدخول، ربما كان بحثاً عن ملهمة، أو قصيدة مطمورة في جلد إحداهن، أو شامة تنتقل باستمرار من مكان إلى آخر.

تعرّفتُ على "هيلين" بجملة قلتُها في حديقة عامّة:
أحب تفاصيلكِ التي لا تصلها اللغةُ.
وتركتُ على مقعدٍ خشبي رقم هاتفي وابتعدتُ..
في الليل جاءتني رسالة من رقم غريب مضمونها:
"مرحباً"
بعد سيلٍ من الرسائلِ عرفتُ اسمها ومكان إقامتها
وكانت آخر رسالة في تلك الليلة:
"من يعرف أنثى مثلكِ عليهِ أن ينتبه حتى إلى التعرّقات التي تحدث بين أصابع يديكِ كما لو أنها تعرّقات توت تحت أشعة الشمس".

بعد مدة من تواصل مزمنٍ، تواعدنا في نفس الحديقة، خترنا مقعداً تحت شجرتين، بَدوْنا كاقتباس جميل بينهما، تطرقنا إلى مواضيع شتّى، لكني أحوم حول قضية معينة، شعرت حتى بالنسمة التي تولد بين شفتيها لحظة إطباقهما، دققت في تفاصيلها كمعلّم إملاء، وسلّطتُ الظل على توهجها.
سألتني عن هوايتي؟
قلت: عضلة ساقكِ الخلفية، ممتلئة مثل قلوب الأطفال مرحاً، وإنّ هذا الامتلاء يفضي بالعضلة إلى عالمٍ موسيقيّ؛ كلما اهتزت نضحت بملايين النوتات
قاطعتني بضحكةٍ تلمع مثل زجاج النوافذ العالية:
يبدو أنك شاعر يا دادْوَر:
ابتسمتُ.. قلت لا
ليس كما تظنين!
قوّمتْ ظهرها، دفعت شعرها للخلف كما يدفع الفجر سموم الليل خلفه؛ لم أرَ صدراً من قبل يرتفع مثل درجات الحرارة ! ..
أدركت من ابتسامتها أنها عرفت القضية التي أدور حولها وهي "الجنس ".
وضعت يدها على يدي وقالت:
لا أصلح للحب يا دادْوَر، إنني كلوحة الـ "مروج الخضر" لفان كوخ؛ وضعوها تحت الأشعة السينية واكتشفوا لوحة أخرى وراءها، وأنا لو وضعتني تحت هذه الأشعة لرأيتَ مئات الرجال ولا أظنك آخرهم.!