الخميس 21 تشرين الثاني 2024 | 10:11 مساءً بتوقيت دمشق
أضواء المدينة للشعر ودراساته

الشاعرة ميلينا عيسى: أحيا وأعشق وأعبث وتتلبسني الخيبة

الشاعرة ميلينا عيسى: أحيا وأعشق وأعبث وتتلبسني الخيبة
الشاعرة
  • السبت 21 أيار 2022

نشر هذا الحوار في جريدة القدس العربي أجراه (كه يلان سالار) ونعيد هنا نشره بالاتفاق مع الشاعرة مرفقاً بنصوص جديدة لها، خصّت موقع أضواء المدينة بها
تداهم الكوارث الناجمة من الحروب والأوبئة الإنسان على مر التاريخ، وما يعيدُ الدفء إلى علاقة الكائن البشري مع الحياة، هو العمل الإبداعي الذي يعبرُ عن توق الروح إلى النهوض، بحثاً عن ومضات الجمال وصناعة الفرح وسط المشاهد القاتمة. يقولُ الشاعرُ الفرنسي إيف بون فوا، إن البلد الذي لم يعد يملكُ شعراً هو دون المستقبل. يُفهمُ من منطوق هذا القول إنَّ طاقة الحياة تستنفدُ إذا غاب الشعر، ويسودُ العبث القاتل ومن هنا يمكنُ تأويل مطالبة كاليغولا بالقمر في مسرحية ألبير كامو المعنونة باسم «الجلاد الروماني» بأنَّه بحث عن القبس الجمالي، وما أنْ منيت محاولته بالفشل حتى تحولَ إلى وحش مخيف، ينثرُ الموت بالإسراف. إذن فإنَّ الإبداع بشارة للانبعاث من مهاوي اللامعقول والصراعات الدامية.
تنصرف السورية ميلينا عيسى إلى صوت الشعر انصراف النُساك نحو تلاويح العشق، فبخلاف من يعتقدُ بأنَّ الشعر قد لا يواكبُ تحولات الحياة ولا تسعهُ متابعةُ هواجس الإنسان الذي أصبح مغترباً عن تنهداته. فإنَّ ميلينا تتحركُ في مساحة الشعر، ناسجةً عبارات مشحونة بحساسية عالية طامحة إلى اكتشاف حُبِّ لا يتسربُ منه الوقتُ، وهي ترصدُ ندوب الروح في مجموعتها الشعرية «وإن تكسرت العناوين» الصادرة حديثاً من دار نينوى، لكن لا تنساق وراء الصيغ البكائية، معلنةً أن أوراق اللعبة لا تنتظمُ على طاولة الحياة دون مشيئة الذات الأنثوية، مشيرةً في تضاعيف كلماتها إلى مفارقات الحياة، وما يتوارى خلف المظاهر، وتميل إلى التيار الإبيقوري في احتفائها بالحسي والجسدي، كاشفة النقاب عن الالتذاذات المتخيلة، ولا تغيبُ نبرات صوفية في هذا الفضاء الشعري، تضفي العبارات والرموز المكتنزة بايحاءات دينية بعدا روحانياً إلى الصور المبثوثة في وحدات منجز ميلينا الشعري. حول تجربتها الإبداعية وخصوصية مجموعتها الشعرية الجديدة كان لنا حوار مع صاحبة «مطب مجاني».
 إلى أي مدى تتقاطع مجموعتك الشعرية الجديدة مع مناخ ما أنجزته سابقاً؟
 الكتابة بشكلها وخصوصيتها هي تجاوز القديم إلى الجديد، وإلا ما كانت ولا كانت الحركة، فكل جديد هو تعلُّق بحياة زاخرة، وهو إضافة فاتنة، وهو صلب الإبداع؛ أن تبرح محطتك في سفر الكتابة إلى محطات ناضجة مختلفة. أمّا عن سؤالك فإنه عمل الناقد، الذي بإمكانه أن يفاضل بين أعمالي السابقة ومجموعتي الأخيرة، لأنك لا تستطيع أن تكون الخصم والحكم في آن، خصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بإبداعك.
 يلاحظُ وجود عتبات متعددة في فضاء مجموعتك الشعرية، كيف نفهم هذا التصميم؟
كل نص شعري وليد لحظة سماوية نسقط فيها إلى قعر الشعور، نخرج من ذاتنا لنتشكل تارة قوس قزح ينعش حياةً، وتارة أخرى نتشظى موتاً لننتزع الصراخ من صمت الجدران، ومن ثم تكون القيامة. وأنا في مجموعتي الأخيرة «وإن تكسرت العناوين» تقاسمتني كل العتبات مجتمعة (حب ـ حرب وهزائم) ليتشكل كيان في كل قصيدة يعتريه شفاء وانبعاث.
لا تختفي النبرة الذاتية في نصوصك الشعرية، هل تعتقدين أن ما يقع خارج الذات المبدعة لا يضيفُ إلى تجربتك الشعرية؟
الشعر تجربة شخصية جداً تنطلق من الذات إلى الآخر (بأناها، نرجسيتها، صراخها وعبثها) لتجسده بالقدر الذي يؤثر فيها. فإلى أي مدى يستطيع ما هو خارج هذه الذات المبدعة أن يحل فيها جنيناً تتمخض به لتلد قصيدة الشاعر الأبدية؟
لا يغيب الاهتمام بالبعد الحسي في مغامرتك الإبداعية، وما يعبر عن النكهة الرومانسية والاحتفاء بالجسد، من أين تستمد هذه الثيمات خصوصيتها في الإبداع النسوي؟
هذه المسألة من أهم خصوصيات الشاعر، وتقتضي قلباً جسوراً يجيد المواربة مع أحمر التابو، الذي يرسمه المجتمع وحاجة المبدع لاعتناق اللامعقول. إنها الرغبات والمشاعر تنسكب شهداً على الورق، لتخلق كينونة يحلم بها الجميع ويعجز الأغلب عن المجاهرة بها، خاصة في ما يتعلق بالأدب النسائي، الذي غدا في معظمه مجرد أحاسيس آنية تخلو من الدسم الفكري والبعد، فالمصداقية مع الذات ولحظة وجودك ثقل يتطلب نزعتك إلى التعب والمغامرة؛ أن كيف أحيا وأعشق وأعبث وتتلبسني الخيبة. ولطالما كانت لغة الجسد أجمل ما عبّر عنها الشعر منذ أقصى الزمان إلى عصرنا هذا.
تنفتح نصوصك على الموروث الديني والتفاعل مع الرموز والأحداث الدينية، هل الغرض هو نحت قناع فني، أم البحث عن معادل موضوعي؟
لديّ شغف خاص بالكتب السماوية والأساطير، تسرقني دائماً من نفسي وعنوة، فتجدنا نحزن كما العذراء، ونرزح تحت ثقل الصليب، كما الرسل والأنبياء، ونرجم باللعنات كما المجدلية. أسقط في جب اللاجدوى وأحاول إيجاد مخرج لمعاناة الشاعر الأزلية بهذه الرموز التي تسعفني دائماً.
__________ 
النصوص لـ م . ع 

-1-
أنا لا أحزنُ مرّتين،
وإنّما أنبشُ قماطاً كانتْ قد دفنتْهُ الحربُ في حائطِ المقبرةِ
لألفّ به بردَ حبيبي.

يتمزّقُ المبيضُ الأيسرُ ويطحنُني ميل جيبسون
بنسخةٍ جديدةٍ عن الآلامِ
لأصدّقَ أنّ الصلبَ لا يجوزُ إلّا بعد تفتّحِ الأوردةِ،
وأنّ صورةً وحيدةً جديرةٌ بتسليطِ الضوءِ على فكرةِ الافتراسِ،
وملعقتَي صدٍّ كفيلتان بتسميمِ عمري المنكفئِ
على تبييضِ الفألِ.
ماذا أفعلُ لعينينِ تحملانَني مثل سريرٍ،
وأنا أتشرذمُ داخلَ لعبةِ المزاجِ
لأسقطَ ثملةً بهِ؟
بعيداً عن جميعِ الأكاذيبِ؛
عن إغواءاتي
والشواطئِ التي تأذنُ للتهلكةِ بالملّاحين،
وبعيداً عن الجلساتِ الذكوريّةِ التي دائماً
تعطبُ الخالَ المتبقّي من السلالةِ،
أقطعُ عذاباتي الطوالَ،
إليكَ
أيّها السيّدُ الحبيبُ؛
الرجلُ جداً!

-2-
أكادُ،
لا أحبّذُ الرجلَ الذي يصفعُني
بعد كلّ قُبلةٍ،
ويشطبُ اسمي قبل موعدِ الاستجمامِ.

الظهرُ الذي لا تحزّهُ قارورةُ فودكا
لا يُروَى
والمهرةُ التي لا يمكنُ ترويضَها،
تُذبَحُ في أوّلِ أيامِ العيدِ.

لهفتي تذوبُ في فمِكَ وأنا
أَتأبّطُ سكرتَكَ.

لن أموتَ إلّا واقفةً
فيما ينشغلُ أولئكَ الذين صاغوا
بنودَ الولادةِ في الوقتِ الحرامِ.

-3-
لا لونَ للهتافاتِ المحمولةِ على حناجرَ قد تصدأُ
بعد المظاهرةِ،
فيما ستلجأُ الجوقةُ إلى مواخير الحيّ.

يا سيدَ اللاهوتِ!
لن أحملَ صكّ غفراني إلى أسرّةِ الأوباشِ؛
أنا التي أجيدُ العدّ بأصابعٍ مبتورةٍ،

وحدُهم الأبالسةُ يظنّونَ أنّ الأجسادَ المصابةَ بثرثراتِ
الثّورةِ والعلّيقِ، وجبةٌ دسمةٌ.
وأنّ الدمَ الأزرقَ صالحٌ للتبرّعِ به في المقابرِ.

-4-
يشاءُ مولاي
أن يردمَ هذا الوجيبَ.
يا خبزَ الحزانى!
مناجلُ الحصّادينَ لا ترأفُ بظهري
وما زلتُ أتشبّثُ بثوبِ هاجرَ؛
والصحراءُ واسعةٌ.