الأحد 24 تشرين الثاني 2024 | 5:15 صباحاً بتوقيت دمشق
سعد عودة رسن

احذر من الأنبياء

احذر من الأنبياء
رافع الناصري (1940-2013) فنان عراقي
  • الأحد 26 أيلول 2021

-1-
حين ترقد الشمسُ على عشبةٍ ناحلة
وتتلوّى الظلال من الألم
تختفي الجدران الخارجيّة للبيوت
وتظهر العوائل وهم يمارسون موتهم اليوميّ
لا أحد يستطيع الصمت في هذه الخرائب
حتى بعد أن تتعرّى
حتى بعد أن تترك الشمس الأعشاب
وتذهب للتسوّق من كونٍ آخر
بعد أن تتحوّل الجدران إلى مرايا شفافة
وتتقيّأ الخصوصيّة ما تبقّى من البيت
يبقى العويل الحامض هو مذاق الهواء الوحيد
بينما تتكلّس الكلمات حولي
وتبني لي سجناً بارتفاع العرش
لا أحد يراني داخلهُ سوى الله
لهذا أبقى عارياً تماماً
أتجوّل في ملكوتهِ وحيداً
وحيداً أنتظرُ الشمس الجالسة على العشب
والجدران التي تحوّلت إلى مرايا
أنتظر ثياباً حقيقيّة من الله
يمكنها أن تغطّي عوراتنا
كي نصمتَ فقط
-2-
أجدادي كانوا يخبئون خيباتهم في الطين
وحين يصابون بعسر الحياة
يزرعونها في أرحام زوجاتهم
هكذا جئنا
مبللين بمياه الخيبة
خلايانا مسننة من الوجع
وأحلامنا مقيّدة بانتظاراتٍ جافّة
من بيوتنا تخاف الطيور
ومن حناجرنا تهرب الحقيقة
مسلحين ببلابل خرساء
ورصاصاتٍ ناطقة
مستقبلنا علامات استفهام
وماضينا علامات تعجّب!
واللحظة التي نراودها عن نفسها الآن
وضعها الوهم بين قوسيّ الخوف
ونسيَها هناك
-3-
وأنتَ تطاردُ ظلّكَ
في المدافن القديمة
احذر من الذين
باعوا ظلالهم لنخاسي الوقت
وماتوا!
دون وجهٍ يذكرهم بفجيعةِ النهاية
صدقْ اللواتي فقدنَ عذريتهنّ
تحت الشمس
وناكفنَ الشرف بلسان الحاجة
احذر من الأنبياء والأوصياء اليابسين
بين أوراق الكتب
وحتى لا تطير من أشجارك العصافير
ارسم ظلالاً لها
وصدّقها
-4-
أنبتُ
بين حجرين من جحيم
في جذوري يغلي ماءُ الزناة
وعلى أوراقي يتساقط الآثمون
لا لحاءَ لي سوى آهات العذارى
عصافيري قطّاع طرق
لأغصاني بكاراتٍ هاربة
ومن تربتي يتنفّس الملحدون
هكذا
كنتُ إلهاً للشياطين
هؤلاء المساكين الذين بقوا
بلا آلهة
يصنعون شجراً من جحيم
وشعراءَ لا يستطيعون طبع دواوينهم
ينبتون أشجاراً لا تحرقها النار
وطيوراً أصابها الزهايمر فسقطت على الأرض
يفقسون نبوءاتٍ فائضةً عن الحاجة
ويلوّنون أسمائهم بضحكاتٍ خائبة
لم أخترْ أن يكونوا في حياتي
لم أشأ أن أكون إلههم
لكنني فعلتُ كلّ ذلك؛
لأنني لا أعرف أن أفعل شيئاً آخر!.