الخميس 21 تشرين الثاني 2024 | 11:9 مساءً بتوقيت دمشق
نجيب نصير

الشّعر... عود على اللابدء

الشّعر... عود على اللابدء
خالد الساعي، فنان تشكيلي سوري
  • الثلاثاء 12 شباط 2019

تعيدنا سيرة الشّعر دائماً إلى التساؤلات الأولى حول وجوده وضرورته، كما تعيدنا أيضاً الى أصله وفصله، إن كان على صعيد اللغة، أو على صعيد المنشأ الاجتماعي الحضاري له، وهنا لا بد أن نتوقف طويلاً أمام الشّعر المكتوب بالعربية، فمسألته شائكة قليلاً أو كثيراً ولكنّها واجبة التسديد معرفياً، فالشّعر لم يوجد أصلاً كاستجابة لممكنات اللغة فقط، بل كاستجابة للممكنات الإبداعية عند ما يمكن تسميته، الفرد-الجماعة، وهذا ما ينفي عن اللغة مقدرتها الحاسمة لوحدها على إنجاز الشّعر، وهذا سؤال يبدو أولياً و أولوياً بالنظر إلى الشّعر العربي.
فبالعربية يظهر المقصود بالـ "شِعر" هو الشّعر العربي فقط، حيث تحال مرجعياته إلى المدونات الشفاهية والمكتوبة باللغة العربية فقط، من معلقات ودواوين ثبتت بعد حلول اللغة العربية في ديار الفتح، وهذا ما يجعل الشّعر المتداول والمتدارس في ظهرانينا هو الشّعر المنطوق باللغة العربية فقط، مع حداثة وجود هذه اللغة بالنسبة إلى اللغات التي سبقتها بالوجود في عموم أرجاء العالم الناطق بالعربية، فهل كان هؤلاء من الناطقين باللغات الماقبل عربية بلا شعر أو شعراء؟!
ما يعيدنا إلى تساؤل أساسي حول الشّعر كتجربة إبداعية ضرورية أو اضطرارية، فهل هو تجربة معرفية عميقة ومستمرة؟ أم هو مهارة لغويّة تطريبيّة ترصد الوقائع الشعورية للفرد؟
هنا علينا التوقف ملياً مع بعض الجرأة للنظر في حال الشعر حالياً، لأننا قد نصل عبر هذه المساءلة، إلى أن ما يطلق عليه الشّعر العربي الآن، ما هو إلا نوع من أنواع الشّعر، إن كان من الناحية التأريخية أو من الناحية الأنثروبولوجيّة، أي أنّه ليس الشّعر كلّه على الأقل، وليس الشكل المكتمل النهائي للشعر. إذ من الممكن أن يكون الشّاعر متعدد اللغات وينتج شعراً بها كلها، أو ينتمي إلى حيز أنتروبولوجي مختلف عن أقرانه الشعراء الآخرون بحيث لا تكفي اللغة للانضواء تحت عنوان الشّعر العربي، فالكتابة بالعربية لا تعني أن الشّعر الناطق بها ينتمي إلى ذات التجربة المعرفية.
تبدو المعياريّات العربية في حالة تهتك شديد تجاه هذا المشهد الشعري "العربي" وهذا ما يمنع فعالية النقد عن سعيها لإشهار مشهد شعري معبّر عن التجربة المعرفية لمنتجي الشّعر، لذلك لا يبدو الشّعر العربي اليوم ضرورة استهلاكية للناس، ولا ضرورة بنائيّة في هيكل الفن، فالقصيدة "العربية" صادرت التساؤلات عن ماضي وحاضر الشّعر، بحيث يبدو بلا مستقبل.