الشعر المؤسف!
أسعد فرزات - فنان سوري
- السبت 7 آب 2021
المعاناة في سوريا، تحيلنا دائماً لطرح أسئلة عن كلّ هذا الرعب والاحتلالات والتدمير المتواصل للحياة على تلك البقعة الجغرافيّة، أسئلة عن جدوى الحياة إذا كانت تحت سلطة دمويّة، ووصايات تمعن في ترسيخ قبضة الدكتاتوريّة للأنظمة العسكريّة التي تحكم منذ الاستقلال في المنطقة وفق ذهنيّة الترهيب، كما تجيّر لصالحها كلّ أشكال الوعي الثقافيّ، وهذا بالضبط ما يسمّونه "الخطاب الرسميّ" الذي يمثل دعاية نظام الحكم العسكريّ ويبرر القتل والسياسات الحاملة للعنف والطغيان والإقصاء، وفي تلك الأجواء تنطلق على المنصات "الثقافيّة" أصوات تحاول البروز خارج إطار ذاك "الخطاب"؛ وتقدّم نفسها كتيّار مختلف يريد أن يرى الجوانب "الجميلة" في بلادٍ بات فحش الغلاء فيها أداة انتقاميّة تمسك بالعصب الاقتصاديّ لمعاقبة هذا الشعب.
سواء كنت موالياً أو معارضاً أو صامتاً أو ملوناً، إنّها عقوبة جماعيّة على المبدأ "العسكريّ" الحاكم للبلاد منذ انقلابات العسكر منتصف القرن الماضي، حتى اليوم، لكن ثمّة اختلاف استثنائيّ يسجّل للإعلام والثقافة في تلك الأيام، والتي كانت متحررة وصادقة، وضدّ خطاب التدجين الذي تعيشه سوريا منذ خمسة عقود.
أما اليوم تجد العشرات ممن يدّعون أنهم "سوريين"، يجتمعون في "بيوت ثقافيّة"، مراكز، أندية، مقاهي، يعلّقون دلالات رمزيّة تدل على أنّ هذه المناسبة "الثقافيّة" تقوم على خطى "القائد" وتمطر القصائد، مثلاً، في بيت الشاعر السوريّ الراحل نزار قباني على لسان مرتزقة "الثقافة" الإيرانيّة، وتشيد بالمزاعم والعنتريّات التي تقوم بها "ولاية الفرس" في المنطقة، هذا "الشعر المؤسف" الذي لا يمثّل أصوات الملايين ممن مضوا في سبيل الحريّة ورفض الطاغية، هذا الشعر المهين الذي يقوله هؤلاء، مستخدمين أيقونة سوريّة بوزن الشاعر نزار قباني، لتشويه هوية مخيّلتنا تجاه هذا الشاعر السوري الكبير، والتحجج بشكلٍ طائفيّ بمناطقية "مأذنة الشحم"؛ حيث ولد الشاعر قباني، وعاش طفولته هناك، على أنّها منطقة ذات مدّ إيرانيّ، و الأكثر خبثاً أن يأتي "لاجئ" عاش بين السوريين وشرب من مائهم وأكل من طعامهم وتعلّم في مدارسهم وشارك "كمثقف" في مناسباتهم، ليكون "أميناً لسرّ" مبادرة احتلالٍ ثقافيّ تقودها جماعات إيران التي تطمس هويتنا السوريّة!!
والمناسبات المدرجة في مديح الجيوش الحليفة التي تقاتل إلى جانب أطراف الصراع في سوريا؛ هي مناسبات بخسة بحقّ الدماء التي سقط أصحابها وهم يصرخون "حريّة... حريّة" ولم يكونوا يريدون سواها، ويأتي في ضفةٍ أخرى من يموّل هذه "المناسبات" ويطبع أعلام الجيوش المحتلة-الحليفة، ويرسّخ ثقافة التبعيّة، من جديد ولكن هذه المرة بحضور أكثر من خمس دول كبيرة تعبث بمصير سوريا وتتقاسم قطاعاتها وخيراتها وتزيد من أمد الحرب، من أجل التجارة و وتعزيز التقسيم.
شمالاً وشرقاً، جنوباً وغرباً، وفي الوسط وعلى الساحل، وفي الصحراء وعلى الحدود، ينظرون إلى بلدي على أنها ضحية دسمة للأكل، بينما عدد لا بأس به ممن يعمل في "الثقافة" داخل سوريا وخارجها، يساهمون بتكريس الانحطاط الثقافيّ كجزء من الارتزاق من حرب ضدّ الإنسان والتاريخ السوريّ قبل كلّ شيء، ثم ضد الحريّة والمعرفة.