الشعر الأرمنيّ في عصرنا
مارات مارغريان- فنان تشكيلي من أرمينيا
- السبت 7 آب 2021
كيف للمرء أن يبدأ بمراجعة مختارات من قرن من الشعر من قِبل أكثر من مئة شاعر أرمنيّ؟
ربما أولاً من خلال النظر في المترجِم، الذي يختار قصائد محددة للترجمة من مجموعة من القصائد المتاحة، وهي في هذه الحالة واسعة وعميقة، نظراً إلى ثراء تقاليد الشعر الأرمنيّ.
في مقابلة حديثة مع أرتسفي باخشينيان Artsvi Bakhchinyan من الصحيفة الأرمنيّة الأسبوعيّة، قالت ديانا دير هوفانيسيان Diana Der-Hovanessian -مؤلفة لثلاثٍ وعشرين كتاباً شعريّاً، بما في ذلك عشرة كتب مترجمة، إنها تترجم قصائد تتمنى أن تكون هي نفسها قد كتبتها، أو قصائد ذات تأثيرٍ محوريّ في بعض الجوانب التاريخيّة ويجب ترجمتها.
الترجمة فنّ غير مستقر، يعتمد على مجموعة من المتغيرات المربِكة والتي تتطلّب عناية بالغة، بدءاً من القراءة الثاقبة لقصد الشاعر والمعنى الأصليّ، إلى الحساسيّة للفروق الدقيقة بين الكلمات، وبناء الجملة في لغتين وثقافتين مختلفتين، إذ يجب على قارئ الشعر المترجَم، أن يؤمن بالترجمة كما قال ترانسترومر Tranströmer.
تصف دير هوفانسيان Der-Hovanessian مشروع الترجمة من حيث الالتزام، في المقابلة المشار إليها أعلاه؛ إذ تشرح أنها تدين للقارئ بـ "القصيدة الأصلية"، و"الشاعر الأصليّ" بأفضل نسخة ممكنة في اللغة الثانية"، وأخيراً، القصيدة "حياة ثانية نابضة بالحيويّة في اللغة الأخرى"، إنّ محاولتها الاحتفاظ بموسيقى اللغة الأرمنيّة مذهلة، وخاصة إذا كانت متوترة في بعض الأحيان.
يبدو تجانس الالتزام الأدبيّ ملائماً بشكلٍ خاص فيما يتعلق بترجمة الشعر الأرمنيّ المعاصر؛ إذ أنّ جميع الشعراء الأرمن في عصرنا تأثروا بشدّة بالإبادة الجماعيّة، التي قتلت ثلاثة أرباع السكان الأرمن، إذ تتضمن القصائد العديد من الإشارات إلى الخسارة والشوق والسجن والنفي، وبالإضافة إلى الثقافة والجغرافيا الأرمنيّة، يوجد عدد من القصائد حول اللغة الأرمنيّة نفسها، بما في ذلك قصيدة كتبها فاهان تيكيان Vahan Tekeyan بعنوان "اللغة الأرمنيّة":
(اللغة الأرمنيّة هي بستان أسير فيه
تحت أغصان خضراء تنمو في ظلال الماضي
الكلمات كفاكهة مجتمعة أختارها واحدة تلو الأخرى
لغتي الأرمنيّة هي حديقة أحبها، تنمو جانبَ قصرٍ مدمر
أغصان ثقيلة تزخر بالحياة
مع تدفّق النسغ والشمس
أحمل تقريب الكلمات
والفاكهة لاذعة وحلوة
مع العصائر شموسٌ لا تحصى
صنعت كلمات ناضجة تزيّن الشفاه،
تبارك الحنجرة، وتعطي الراحة للقلب)
في "ABC لترجمة الشعر"، يكتب ويليس بارنستون Willis Barnstone، "حتى عندما يشتهر العمل في موطنه، فإنّه يأتي إلى مدينةٍ غريبةٍ يتيماً ليس له ماضٍ لقرّائه"، ولحسن الحظ تبني دير هوفانيسيان سياقاً لهذه القصائد حتى لا تتيتم تماماً عند ترجمتهما.
في مقدمة مدمجة للمختارات، تحدِّد تاريخاً موجزاً للتقاليد الطويلة والعميقة للشعر الأرمنيّ، الذي يعود تاريخه إلى العصر الطباشيريّ، والتراتيل ما قبل المسيحيّة، وتناقش التأثيرات المختلفة على الأنماط والمواضيع المرتبطة بالشعر الأرمنيّ، وتحاول دير هوفانيسيان أيضاً تجميع الشعراء المعروضين في المجموعة الشعريّة، وتسليط الضوء على الشعراء المؤثرين والبارزين بشكلٍ خاص، ونظراً لوجود حوالي 117 شاعراً في هذا الكتاب، فإنّ هذا التوجيه_ وإن كان ضئيلاً_ فهو موضع ترحيب.
يرتّب الشعراء حسب التسلسل الزمنيّ، وتمتد من دانيال فاروجيان Daniel Varoujian، المولود في عام 1884، إلى فاهي أرسين Vahe Arsen، المولود في عام 1978، ويقدّم كل شاعر مع ملخص موجز عن حياته وإنجازاته، وتشير العديد من هذه التواريخ الشخصيّة القصيرة إلى وجود صلة تربط الشاعر بالأحداث السياسيّة في وطنه، على سبيل المثال: تشير سيرة ماتيوس زاريفيان (1894-1924) إلى أنّه تلقى تعليمه في القسطنطينية وكان قد قرر الحصول على مزيد من الدراسات في العلوم أو الطب، ولكن أحداث عام 1915 أنهت اهتمامه بالعلوم وأيّ مجالٍ آخر، وبقي وفيّاً للشعر، وكانت صدمة الترحيل والاضطهاد وهشاشة الحياة هي موضوعاته الرئيسة، توفي بعمر الثلاثين بمرض السل، وله قصيدة واحدة في هذه المجموعة بعنوان "نخب":
(املؤوا الأكواب
دعونا نشرب
لذة بلا هدف لمجرّد الفرح
دون سبب
دون مبرر
ساخرين من الموت
والحياة.
املؤوا الكأس
واسمحوا لي أن أشرب
نار الجحيم
بينما الموت هو النخب
مقابل صحتي)
الكم الهائل من الشعراء، والقصائد المدرجة في هذه المجموعة يمنحها قيمة، وتندمج الموضوعات فيما بينها وتعاود الظهور، وتتراكم الاستعارة الثقافيّة وتكتسب أهمية لا يمكن إيصالها ببساطة بترجمة عرَضية تنشر هنا وهناك، أشجار اللوز البيضاء المزهرة، والجبال، والثلوج، والمناظر الطبيعيّة في أرمينيا التي كُتب عنها في هذا المجلد بمثل هذا الإخلاص والشوق تكتسب واقعها الخاص، مع استكمال الظلال العميقة، كما هو الحال في قصيدة" اللغة" التي كتبها هامو ساهيان Hamo Sahian (1914-1993):
(قل الربيع باللغة الأرمنيّة
ويصبح الربيع الأرمنيّ
قل الثلج بالأرمنيّة
فتشعر البردَ الأرمنيّ
شجرتنا تزهر بالأرمنيّة
وفي الأرمنيّة لدينا وحدة الأغاني
ومهما اختلفت توجهاتنا
يتدفق دمنا كما تتدفق اللغة
ترتفع جبالنا جبالاً أرمنيّة
نعطيهم أسماء أرمنيّة
فليحفظ الرب ما تبقى لنا
الصبر هو اسمنا الأرمنيّ)
وفي حين أنّ قسماً كبيراً من هذا العمل جغرافيّ وتاريخيّ واجتماعيّ سياسيّ، فإنّ العديد من قصائد الحب الفاتنة تسكن هذه المختارات، مثل هذه القصيدة التي كتبها فاهان توتوفينتس (1898-1937) ، "عندما تقرأين".
من بين ما يقرب 300 صفحة من هذه المجموعة هناك قصائد تبجل النهار وتلعن الليل، قصائد للأمهات والآباء، قصائد عن ضعف القلب، قصائد عن الكلاب، النبيذ، الملح، الطيور، قصائد عن "باقة الرياح الحلوة" لأرديم هاروتيونيانArdem Haroutiunyan ، وإذا أمكن وجود قصيدة تمثيليّة في مجلد بهذا الحجم والكثافة، فقد تكون قصيدة "ربما" لسيلفيا غابوديكيان Sylvia Gaboudikian (1919-2006)؛ واحدة من النساء القلائل اللاتي تضمنهنّ هذا المجلد:
(ربما أصبحتِ صغيرة جداً، أرمينيا
حتى نستطيع حملَك في قلوبنا.
ربما تحولتِ إلى صليبٍ ساحر
حتى نرتعد لئلا تنهاري.
ربما كانت حفنة من تربتك تعويذةً أو عبرة أو عناية.
ربما أصبح اسمك الرمز للتطهير
في عالمٍ من الأكاذيب.)
هذه المختارات من ترجمات الشعر الأرمنيّ المعاصر هي في الواقع "أداة ودرس وممارسة" في تجربة الخسارة والنفي والحب والشوق، والعالم الناطق باللغة الإنجليزيّة هو بلا شك الأكثر ثراءً لهذه المترجمات.
______
ترجمة عن الإنكليزية: كنانة حمادي