إنه الفساد الذي ولد من أجله الإنسان
بول غوغان (1848-1903) فنان فرنسي
- السبت 9 شباط 2019
*جيرارد مانلي هوبكنز
الربيع والخريف
(إلى طفلة صغيرة)
أتحزنين يا مارغريت
على تساقط أوراق البستان الذهبي؟
حال الأوراق كحال الإنسان
وأنت بأفكارك الفتية تنزعجين لسقوطها
هل يمكنك ذلك؟
آه، كلما يكبر القلب
سيواجه مثل هذه المشاهد ببرود
بعد فترة قصيرة لن تثير أي حسرة
مع أن عوالم الغابة الشاحبة راقدة،
لكنك سوف تبكين وتعرفين سبب بكائك.
لا يهم الاسم الآن أيتها الطفلة
فمصدر الأحزان كلها واحد
ليس ما نطق به الفم وما عبر عنه العقل
لكن الروح قد شعرت بما أحس به القلب
إنه الفساد الذي ولد من أجله الإنسان
وهو ما يحزنك يا مارغريت.
****
مصباح أمام الباب
أحياناً يتحرَّكُ مصباحٌ أمام الباب،
فيجذب انتباهنا عندما نلمحه بعيوننا. مَنْ هناك؟
ثُمَّ أفكّرُ، من أين يأتي هذا الشخص، وأتعجّب
إلى أين يذهب بضوئه الذي يخترق به ظلام الليل الدامس؟
لقد مرَّ بي أناسٌ في الحياة يتمتعون إما بجمال أخّاذ
في شكلهم وإما في عقولهم وإما في أي شيء آخر يجعلهم فريدين:
فهؤلاء يُسلِّطون أضواءهم الغنية في عمق حياتنا الكئيبة والمملة
إلى أن يتملّكهم الموت أو تُبعدهم المسافات وتأخذهم بعيداً.
يُهلكهم الموت أو تُبعدهم المسافات عاجلاً:
مهما حاولتُ أن أتابع حركاتهم بعينيّ حتى النهاية
فلن أستطيع أن أبقى معهم، والبعيد عن العين بعيدٌ عن البال.
المسيح يأبه بهم: يهتم لأمرهم، يقبل أشياء فيهم ويُصلح ما يحتاج إلى إصلاح
هناك في السماء ينظرُ إليهم، وقلبه يتوق إليهم، يلازمهم وأقدامه تتبعهم بحب،
فهو منقذهم ومخلّصهم وصديقهم الثابت والأول والأخير.
*(Gerard Manley Hopkins)
(1844-1889)
يُعَدُّ جيرارد مانلي هوبكنز من شعراء إنكلترا المعروفين في العصر الفكتوري، على الرغم من أن أعماله بقيت تقريباً غير معروفة حتى عام 1918، عندما نُشرت لأول مرة. كتب هوبكنز معظم أشعاره بالوزن الشعري الخفيف، وتُظهر أشعاره استخداماً مميزاً للحن الكلمات، وكان يستخدم في قصائده الجناس الاستهلالي والتراكيب غير العادية، وله قصائد ذات تأثير نفسي بصفة خاصة عند قراءتها بصوت عالٍ.
ولد هوبكنز في إسكس، وفي عام 1863، التحق بجامعة أكسفورد وهناك مرَّ بمحنة روحانية أدّت إلى التحاقه بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية في عام 1866. دخل هوبكنز سلك الرهبنة اليسوعية في عام 1868، بعدها توقف عن الكتابة وحرق مخطوطات قصائده. وفي عام 1875، عاد هوبكنز إلى الكتابة بعد أن شجعه رؤساؤه اليسوعيون، وبعدها عُمِّد قسيساً في عام 1877.
لم يكتب هوبكنز كثيراً، ومات يافعاً، ولكنه يُعَدُّ واحداً من أكثر الشعراء أصالة. كان يحاول أن يكون مبدعاً، ولكن قلة قليلة من قصائده نُشرت في حياته. بعد أن قرر هوبكنز أن يصبح يسوعياً حرق شعره لكونه دنيوي بشدة. لم يكن الإيمان بالنسبة له هروباً أو ملجأً وإنما مصدراً للألم. وضَّح هوبكنز شقاءه في العديد من قصائده التي كتبها في سنواته الأخيرة، لذلك نجد في شعره أن الألم هو المكوّن الأساسي في الفرح. لم يكن مقتنعاً بنظرية وردزورث، التي كانت أيضاً نظرية توماس هاردي، وهي أن لغة الشعر لا يجب أن تختلف كثيراً عن لغة النثر. أحدث هوبكنز استخداماً أصيلاً وجديداً في القافية والجناس والطباق والسجع، وصاغ مفردات نقدية جديدة، لأنه شعر بالحاجة إلى مجموعة جديدة من المصطلحات التي تفسر ما يفعله، مثل تعبيره عن "خصوبة الفكرة"، التي تعني بالنسبة له "الجمال المميز والفردي". ومن أهم إبداعاته في تقنية الشعر "الإيقاع النابض"، ويتألف من مقاطع مشددة في السطر الشعري مع عدد متغير من المقاطع غير المشددة. يُعَدُّ شعره كثيفاً وصعباً للفهم، فهو مضغوط من حيث الاستعارة، ومحرَّف من حيث التركيب القواعدي. يتميز شعره بأنه يتلاعب بقوة بالغموض اللفظي. اعترف هوبكنز بغرابة شعره، لكنه جادل بأن هذه هي السمة التي تميّز الشعر الجمالي الحقيقي من حيث التصميم والنموذج. وجد ييتس غموضاً في أسلوب هوبكنز وإيقاعاته الشعرية، في حين تذمّر إليوت من ابتعاده كل البعد عن لغة الكلام اليومي.