مأثرة الألوان
علي بن سالم (1910-2010) فنان تونسي.
- السبت 4 تموز 2020
موجةٌ من الأزرق تعبُرني، كلّما ناشدتُكَ.
فأقلّب الغيومَ، كمن يسعى -بيأس- للبحث عن مستقرّ فوقَ كثبان الفراغ.
مهزومة بانهيار كلّ خلية منّي في صلاة،
أتقدّمُ وعرجُ الأسباب يتقلّدني...
وغشاوةُ الهجر، تُطوّق روحي...
أتقدّم، معيدةً رسمَ طريق كلّ من لوّنوا الأفقَ.
من أزرقَ مضيء، إلى آخر أشدّ قتامة،
لعلّ فيض نورك يخترقها.
أتقدّمُ، ليختفيَ الكثيب
وتختفي الأسباب.
تصيرُ صلاتي صمّاء لوهلة،
ثمّ يستأنف الأفقُ طريقه إلى عينيّ.
أريد أن أكون وحيداً عند لقائك، تماماً كما وعدتني، وأن أنعم بمفردي بذلك البرد الذي يطفئ لهيب قلبي عند كلّ كَلَم.
يا صانع كلّ ألوان السعادة ومحرّك رسّاميها.
تعقّبتُ لمساتك بين الألوان فوجدتُك في نضارة كلّ لون تصبغ اسماً.
أنت! يا راسم هذا الوجود ومازجه بالألوان.
أنت يا من امتزجتْ كلّ الألوان لتخلّد عظمتك.
جعلتَ في روحي مسار محبّة لأتعقّب تفاصيل وجهك العظيم فيها.
فمزجتها بكلّ لون فصيح، بصمَ القلب بالنضارة.
فعانقتُ الأخضر بأمنية اجتاحته، وجعلت من الروح مساراً إلى اللانهاية.
جعلتُ الأخضر لون الغبطة التي تحاكيك في صلوات الفرح؛
برجاء الاستدامة من عذب رضاك.
أخضر لأقنعة الجمال بمسحة السعادة المبتغاة.
أخضر لجسد يغتسل من خطاياه.
ثمّ يتغلغل الأخضر في عروقي ليتّخذ من جلدي رداءً.
ينزلق تحته في صمتٍ ليورق النور.
يبثّ الحياة في روحٍ يبستْ، ويبعثُ من الغيب أزهاراً.
ثمّ يغزلها وشاحاً للأزمات.
ليُزهرَ فيها الأملُ، وتفلتَ من التذمّر.
الأخضرُ نهرٌ تسيّرهُ في قلبي، فيجتاحه هرهاراً،
ليتدفّقَ ويعلوَ حتّى يُلامسَ رغبةَ، أمنيةً، يبتدعُ من خلالها الوجود.
الأخضرُ يبعثني كلّ صباح
ويوشّح ثقلَ مساءاتي.