الأحد 24 تشرين الثاني 2024 | 3:9 صباحاً بتوقيت دمشق
معاذ اللحام

الطريد

الطريد
زكريا الزيني (1932 - 1993) فنان مصري
  • الخميس 2 تموز 2020

أكشطُ عن جسدي آثارَ العصورِ السابقة.
السكينُ بمقبضٍ من عظمِ عضاءةٍ كانت تصلّي وقتَ الظهيرةِ؛
لإلهِ الزواحفِ ذي الأقدامِ الألفِ، لعينِ الشمسِ المبيضّة
لكي لا تموتَ وقتَ الظهيرة.

أكشطُ كلمات أجدادي قاطعي الطريق إلى نصفين؛
نصفٌ حيثُ ينبتُ العشبُ
ونصف حيثُ يسيلُ الدمُ الكتيمُ
ولم يبقَ من السرِّ سوى هذه الجمجمة
منْ حفرها فوقَ كتفيَّ
زهرةً فوق قبر.

بعدَ منتصفِ الليلِ
أشوي حصيلتي من الجرادِ،
العيون المربّعةُ الصامتةُ
اصطفّتْ على النصلِ
تحدّقُ بي مثل نجومٍ مطفأة.
أبصقُ في النارِ
وخلفي حبالٌ غليظةٌ من دخانٍ يتصاعدُ من المدينةِ المحروقةِ كحاوية.

قربَ نهرٍ فقيرٍ
تحتَ شجرةٍ عجوز
هناكَ بيتٌ
على شرفتهِ الواطئة؛
امرأةٌ تعصرُ ثيابَها!
ربّما فرغتْ من الجنسِ تواً،
ربّما رشّتْ جسدَها بالبودرة.
تعصرُ
تعصرُ
ويفورُ من القبرِ ماء لهُ رائحةُ عطرِ الغسيل.

إنْ عاودتْ الظهورَ
فهذا يعني شيئاً واحداً:
سأنحرُ حصاني على درجِ بيتها.
حصاني الذي سُلِبْتهُ بالأمس.

لستُ وحيداً مع هذا الكمِّ الهائلِ
من الأجدادِ الورقيين،
مع هذه المحصّلةِ الضخمةِ من اللعناتِ
مع هذا الخرز
المناجل
الدفوف المعلَّقة
والطبولِ المقروعةِ في حفلاتٍ
تخلّفتْ عن حضورها الملائكة.

رؤوسٌ كثيرةٌ في رأسي؛
رؤوسُ كلابٍ
رؤوسُ ذئابٍ وخنازيرَ بريّة
يمتلئ رأسي برؤوسٍ فارغةٍ
لأناسٍ فرغوا من قتلي
بينما هناكَ غزالةٌ تحدّقُ بي من خلفِ الأشجارِ.
أغمضُ عينيَّ
تنامُ السكين