وطنُ الغريبِ جبينُهُ! لـ أحمد حافظ
غلاف الكتاب
- الجمعة 26 حزيران 2020
"وطن الغريب جبينه" هو ديوان للشاعر أحمد حافظ، نستعيده اليوم بعد صدوره قبل بضع سنوات، حيث نقع على قصائد تجمع اللغة مع الخيال، ولطالما قلنا إن الشعر يتلاشى في الهوامش ويغرق في اليوميات شكلاً ومضموناً، فهل يمكن قراءة المشهد بلغة عالية ومخيلة تفكّ الطوق؟. في كتاب أحمد حافظ اشتغال على الجانبين معاً، وهو منجز مقترح لضفاف مغايرة قوامها الصدق والبوح الشفيف.. تجربة تستحق الوقوف والتأمل.
نختار من الكتاب:
أرضي المشعّة كشامةٍ على كتف نبيّ،
صارت كحلاً لريش الغراب.
بيتي الفتيُّ كصفير في الغابة،
سكتَ سكتةَ الطفل بين العجلات والإسفلت.
نومي الأخفُّ من خاتم ضائع،
ثَقُلَ كمعطف المنفيّ.. ظاهره ذكرى، وباطنه عارٌ.
أصابعي التي حرَّرت سواقيَ وصدَّ سيولاً،
علاها ما يعلو قضبان سكة مهجورة.ما تعلمته يجفُّ ويُساقطُ على رأسي شظايا من طلاء سقف رطب.
تبقى لي من الأصدقاء صبّارةٌ في الشرفة،
وقلم أسيِّحُ به البساتين التي تورق في منامي.
أقلب ا لصور مثلما يتشاغل الطفل المحموم عن صدوع الجدران (وما يهب منها، وما يعشش فيها) بالأخيلة التي يرسمها لهبُ المدفأة.
"طلعنا بثيابنا". جملة عارية، الفعل فيها براءة والاسم إدانة.
مسمارٌ من جمر أدقه في جدار الريح، معلناً الإقامة تحت سقف المطر.
نقمة أركزها بين الدوامات أوتاداً لخيمة الممكن.
حبلٌ من ضباب أنشر عليه، كل فجرٍ، غسيل الروح.
موجزٌ لأخبار الطوفان أبثّهُ، بما نما لي من أجنحة، نقراً على شبابيك الليل.
كفَفتُ عن يا و أيها.. لأن كل منادى قيدٌ..
كرهتُ السفر منذ صار جبيني طريقاً.
لا أقول كغيري: "إن المطر في الغربة سياطٌ، والسماء فولاذٌ، والريح ندّابة".
البصيرُ أسيرٌ أينما حلَّ، والطبيعةُ براءٌ مما نكابد ونضمر،
وكثيرٌ من المجازات التي نتباهى بابتكارها هناك، هي وقائعُ نتبارى بها على النجاة منها هنا.
هنيئاً، إذن، لمن أعانهم التيار على حسم الصراع بين الرغبة في أمان الجسد،
والخوف من ذهول الروح.
والرحمةُ لمن تاهوا مؤثرينَ طيش الأعماق على حكمة الضفاف.
من أنكرَ منكم مشهداً، فليغيّرْ قلبّه.
من استطابَ فيئاً، فلا يغفُ.