أختلس نظرةً إلى الحانات المغلقة
بطرس المعري، فنان سوري
- الأربعاء 10 حزيران 2020
مسافة صمت
ماذا أقول لطفلةٍ غفتْ
على صدري كريحانةٍ
فوق قبر؟!
وكيف أسكِتُ صراخ الحياة
خلف أضلعي بعد أن سقط
صوتي في بئر الغياب؟!
تقولُ يدها الماخرة في تفاصيلي:
إنني نهرٌ فقدَ ذاكرة الطوفان
فاستباحته قبائل الاعتياد.
وإنني لم أعد بازياً
يبحث في عيون العذارى
عن شهوة الحبّ
بل عصفوراً ترهبه عيون المراهقات.
أضمّ فتاتي ثم ألفّ أغانيَّ في ورق الليل
لأمجّ بكلّ استسلام دويّ تحطمي
ها أنا أتلاشى أمام نومها
وألملم أبوّتي المتأخرة عن هدبيها
ليمسح زفيرها دموعي الطائشة
في مسافة صمت.
****
حَجرٌ صحيّ
يقضم الصباح ضوءه الأوّل
ويُسقط على المدينة فُتاتَ دفئه،
لكنّ الرياح التي تجري في الشوارع
تأخذ من الأشجار صحوتها
معلنةً انقلابها على الطبيعة.
ألتقط بكاميرتي شوارع دمشق الخاوية
وأدوّن أثر الوباء على جدرانها الكئيبة
يصفعني الهواء
ويأمرني بالمضيّ نحو عزلتي
أختلس نظرةً إلى الحانات المغلقة
ثم أدسّ يدي في جيب العتمة
لأمنعها من الوداع.
دمشق في حجرها الصحي
طفلة بلا ألعاب
خاوية إلا من العدم
تنتظر من يرفع الستار
لتبدأ الحياة.
****
دروس خاصة
علّمتني أمي تهجئة الفرح
بأناملها التي ناغت شفتيّ
ثمَّ كبرتُ سريعاً
لأتعلّم من تعبِ أبي
أبجديّة الحياة
ومذ صرتُ في الثلاثين من عمري
وأنا أهادن الأحزان
وأبرم الاتفاقيّات مع العزلة
لأراجع دروس أمي
وأعيد كتابة أبي
وأستعدّ لوداع الطفل فيَّ
واحتضان ابني.