حتى في المنام تقطّعت أوتار الكمان
خوان غريس (1887-1927) فنان إسباني.
- الأحد 3 أيار 2020
تذكرون
أتذكرون في صغرنا؟
كانت أمّنا ترسلنا إلى محل البقالة ويكون الجو ماطراً
وفي الطريق نمشي في حارة ضيّقة ملتصقين بجدران البيوت
ونقفز بين بقع الطين الصغيرة حذراً من الوحل
وعندما نصل البيت نعطي أمّنا الحاجيّات ونحن نلهث راضون عن أنفسنا
وحبّات المطر تلمع في شَعرِنا..
****
المنام
تفسّر حلمكِ عزيزتي
يُقال أنّ البكاء في المنام فأل حسن؛
فاليوم دُعينا الى عُرس، والفرحة تنتظر
ولكن عيناك ما زالتا شاردتين! أهناك ما يخيفكِ؟
اطمئنّي ليس ثمّة ما يُفزع في حلمكِ
ليس ثمّة ما يُرعب
حتى انظري الأولاد في الباحة يمرحون....
****
الصراع الأخير
كما المرأة المسنّة تهفو لعرس ابنها قبل الرحيل
كذلك الموسيقار المستميت لأنغامه الأخيرة
وأيضاً الكاتب الموهوب يتشوّق لإنهاء عمله إذ يبدو المرض يفتك به؛
كُلّنا يسعى للرغبة الأخيرة ولإرثه الحبيب الخاص
كُلّنا يتمنّى أن يرافقه حلمه ذكرى من الكون الجميل الغادر
من الحياة المتهكّمة الغريبة
الأزليّة في إيحاءاتها ....
غير القابلة للتكرار....
****
عزف منفرد
البلاد مساحة كبيرة للخلاف
وكما لم يحدث من قبل
الساحات الشهيرة ممتلئة
وأقدام هدّارة ترزخ حول النُصب
فالشعب هائج ومتألّم وحزين، إذ هناك ظلم وضحايا بالآلاف
وعند حافّة منزل بعيد عين سارحة تسأل؟
عازف كمان صغير يستفسر عن البؤس.
غريب هذا العالم
كلّ هذه القسوة! كلّ هذا العنف!صوت النيران يعمّ الأرجاء
حتى في المنام تقطّعت أوتار الكمان...
*
أنظرُ إلى أبي وأمّي يمشيان ببطء، وأشعر بالعاطفة
ثمّ أتخيّلهما والدا شخصٍ آخر _ آباء لأولادٍ آخرين
أو ربّما لأيّ أحدٍ يمرّ فجأة في الشارع
ومن بعيد تراهما كأيّ رجل وامراة
ثم تشعر بخيوط خفيّة وغير مرئيّة تقود هذه المودّة
وتجعلك تفكّر بغيابهما، غياب الأناس الذين ربوك،
غياب والديك .
*
الجميع يتألّم لمشهد غزال يُفترَس
لأنّه رشيق ومسالم وعيناه جميلتان،
لكن الجرائم غير العاقلة تمنح تأمّلاً خاصًّا
وتجعلك تشاهد موتاً فريداً، جوعاً فريداً،
إنّ المفترس غريزيّ جائع ولا يفهم جمال الفريسة.
الجو غائماً والرياح خفيفة..
والأعشاب الطويلة تهتزّ..
وعلى جثّة الغزال ساد الصمت.