الأحد 22 كانون الأول 2024 | 3:59 مساءً بتوقيت دمشق
أنس مصطفى

الجُسُورُ التي انتظرتُ عِندها

الجُسُورُ التي انتظرتُ عِندها
حسين جمعان، فنان سوداني
  • الجمعة 3 كانون الثاني 2020

(1)
تُبَالِغِينَ في النّدَى..
طِفلة تبعثِرُ ألْعَابَهَا في الكونِ كُلَّ يَوم،
تستَعصِي على الغَمضِ
وتزهرُ في وجومِ النَّاسِ كَالأحَاجِي
وَمن رحى اللَّيلِ توقدُ آلافَ القناديلِ في الشّغاف.
(2)
تزهرينَ
مثل سلالٍ من الفجرِ
في أكُفِّ الحَيَاة،
مثل عشبةٍ في عرباتِ الجنود،
مثل أَبَدٍ َيتضوّع في الشّواهد.
(3)
منذُ سنين أرعى غزلان شرودكِ في الوِهَاد،
أوردها درب الظّلال وصمت الينابيع..
أعزِفُ لها البَاسنْكوبَ*
قبلَ أنْ تَؤوبَ بصوتك..
منذها خلّفتُ الحداة ورائي،
منذها لم أعرف الأدلّاء أَبدًا.
(4)
هيّأتُ َلكِ التقاويم كلّها،
قلتُ ستأتينِ مثل فرعٍ من البان،
مثل شمسٍ تخترق الوحشة في اللَّيل،
تخترق الصَّمت في القلب،
وبقيتُ منتظرًا لألفِ ألفِ عامٍ من أجلكِ،
ثمّ اختلقتُ لكِ الأعذار والذّرائع،
كي يبقى النّرجس غضًّا طريًّا..
أتفقَّدكِ في البياضِ العَميمِ كُلَّ يوم،
في الطّرقاتِ التي كفّنتها السّنون،
لا تجفّ محابركِ أبدًا،
ولا السّهد ينفذ.
(5)
صوتكِ المبلّل بالأناشيدِ والعذوبة،
صوتكِ الممطرُ آنذاك،
كيفَ وسعهُ أن يُحرقَ غابةً بأسرها،
ثمَّ يمضي في حال سبيله؛
غافيًا في الغياب؟
(6)
الجسور التي أشيّدها من سُهادي كلّ ليلة
ثمّ أغفو قبلَ أن أَعبرها إليكِ،
الجسور التي انتظرتِ عندها طويلًا..
يجتثُّها صباح الحطّابين هذا.
(7)
مثل نصلٍ يضيء في عتمة الجرح،
هو ذا الأمل ثانيةً،
يهيل كلّ هذا الجمر على ترابي.
(8)
أَعبرُ ذلك القفر الظّنين في الليل،
مثل يتيمٍ تنهشهُ الجهات فيغمض.
(9)
أَحرثُ ليل الصّقيع هذا بكفّين عاريتين،
أبحثُ في رماده عن جمر بلادي،
بلاد من الليل والشّظايا.
ترى كيف استحالتْ على كتفي طفلة غافية،
أحملها عبر الأوجارِ وبين المدافن،
لا نبصر في الغمر غير النّجاة
(10)
لا مناص أَبدًا..
عليَّ أَن أعبر النّهر كاملًا
عليَّ هذا الغرق..

*آلة عزف شعبية لدى قبائل البجا في شرق السودان