الصديق الوحيد
مؤيد محسن (1964) فنان عراقي.
- الأربعاء 9 تشرين الأول 2019
أحاول أن أكتب ما أعتقد أنّه "شعر" هذا لا يعني أنّي أفهم كثيرًا في تقدير المواقف الثقافيّة وقراءة وقائع العالم بالشكل المناسب للجميع. ربّما أستطيع قراءة ذاتي والتواصل مع روحي ومشاغلي المتوترة، كذلك لا تعني بالنسبة لي كتابة الشّعر أن أكون قدّيسًا، أو متفهّمًا لكلّ شيء في خفايا هذه الأرض وانقلابات أهلها بدايةً من قطط الشوارع وصولًا إلى صواريخ الحروب وسياسة استعباد الشعوب، تغريدات الرّؤساء والجواسيس!
أكتب ما أعتقد أنّه "شعر" لا كي أنال مكانة في هذا العالم بل فقط كي أتكلّم مع كلّ شيء دون عناء البحث عن لغة أخرى ودروس خصوصيّة.
حقًّا أقول لم أنجح يومًا بكسب قلوب الحبيبات -مثلًا- بالشّعر! كان يجب عليّ مواجهة عشرات المشاكل الحياتيّة في دروب عملنا "بالصحافة والثقافة"، كان يجب التّفكير كثيرًا بين بعضنا البعض والشبهة ملاصقة لنا إضافة إلى "لعنات" الوعي.
لقد خسرتُ أناسًا، لأنّهم رفضوا تفهّم أنّ الحياة أكبر من أن تختصر بكلمات أو أن تكون محدودة في عقل شاعر أو كيان مبدع ما أو فنان مثلًا، كنتُ ببساطة أطمع بودّ ينمو تلقائيًّا كما أشجار الحدائق ونباتات الشرفات وأصص الزهور. تواصل إنسانيّ، هكذا بمشاركة أو دون مشاغلي الأدبية وسواها، لا بأس، كنت أريد أن نلتقي إنسان لإنسان، فقط! لكن الأمراض السوريّة الكارثيّة من ثورة وحروب عصابات وصراع طوائف ومشاحنات نفسيّة جعلتْ كلّ واحد منّا حربًا متداعيةً، كانت قد أثقلتْ كاهل الآخر بالنظرة الجاهزة لمن يقول إنّه "يكتب الشعر" أو "كاتب" أو "صحفي" أو مبدع بشيء ما.
تواصل من قبيل محاولة بطيئة كي لا تغادر بسرعة إلى جسد آخر، تلك الروح التي أحاول هدهدة عواصفها وعُصابها المثير، لا تزال تهتزّ بولادات يوميّة، تحيلني إلى عقدٍ ورموز ومنامات، أحكي عنها لأبي وإخوتي وبعض الأصدقاء، فلا يستطيع تفسيرها سوى الشّعر.
حبيبة بلا هويّة، وعشقٌ مأخوذ دائمًا بما سيحدث، جسد أنهى الثالثة والثلاثين من الغيوم. نصوص ترجمني بالحاضر وكسله المتنامي، وديوان جديد أضعه مع إخوته الثلاثة في بئر ذاكرتي وأضمّهم جميعًا، أضمّ قصائدي كأمٍّ لا تنجب سوى الرقص ومشاتل العطور.
لقد سقط لساني في النّص، ويبدو أنّي سأكتب شيئًا مع صديقي الوحيد، سأكتب شيئًا من صديقي الوحيد: الشّعر...