الأحد 22 كانون الأول 2024 | 6:0 مساءً بتوقيت دمشق
خضر مجر

جدران عازلة للصوت لـ نور نصرة: المفردة والصورة الخاصة

جدران عازلة للصوت لـ نور نصرة: المفردة والصورة الخاصة
الشاعرة وغلاف ديوانها
  • الثلاثاء 8 تشرين الأول 2019

يتميّز النصّ الشعريّ عن باقي الأجناس الأدبيّة بحساسيته المختلفة تجاه الأشياء التي تحيط بالشاعر، وجعل هذه الحساسية ابتكارات تتفوّق على ذات الشاعر في نشوة اللغة التي يستفزّها الخيّال لبناء قصيدة تفتح نوافذ الدهشة نحو أمداء جديدة؛ لذلك فإنّ النص الشعريّ الذي لا يرتجِ باب الاعتياديّ والمبتذل لا يمكن له أن يتجاوز خطّ البدايات والدوران في متاهة التكرار.
يبدأ بناء القصيدة إذن بهذه الحساسية و"العين الثالثة" التي تلتقط الحالة بأداة لغة لابدّ أن تكون مصقولة ومتينة وإلّا فإنّ النص سيكون هشًّا! اللغة التي ستشكّل المرحلة الفصل فيما بعد لتفوّق الشاعر على أقرانه؛ والتفوّق هنا بمعنى التميّز وليس الترتيب، فمن أين يأتي الشاعر بلغته؟
ربّما تتطور اللغة من خلال القراءات الكثيرة والبحث؛ ومن خلالهما يمكن زيادة الحجم المعرفيّ والدلاليّ بالكتابة الشعرية وآليّة الربط بين عناصرها، ولكن هل يكتب الشاعر بمفردات بيئته أم أنّه يتجه نحو مفردات محددة بذاتها عن سابق إصرار ؟
من المقاربة السابقة يمكن الولوج إلى مقترح الشاعرة السورية نور نصرة في ديوانها "جدران عازلة للصوت" لجهة الاشتغال على النص واللغة ثم محاولة الابتكار في الصورة الشعريّة والتي تظهر حساسيّة الشاعرة لكل ما يحيط بها.
وهي لا تنفكّ تستخدم مفردات الطبيعة والقرية التي تعيش بها مشكلة حقلها اللغويّ الخاص وفق أسلوبيّتها، مثلاً: "غيوم، حشائش، حقول، حبّات اللوز، الحصاد، قشر الرمّان، حبة التين..." هذه المفردات قد تشكّل ضمن النص الواحد الخيط السرّي الذي يجمع النص الذي كتب على مقاطع؛ تقول الشاعرة "أجيد نزع قشر الرمان عن حبيباته/ كما أجيد التحرش بصمتك/ تتكشّف اللذة دفعة واحدة/ في طبق الغواية" نجد هنا المقارنة بين نزع قشر الرمّان والتحرّش بصمت الحبيب وذلك في المقطع الأوّل من ذات النص "عقد مفروط" لتقول في المقطع الأخير "وبتّ مشغولة/ بجمع حبّات الرمّان التي انفرطت/ تذكّرت حينها أنّك لا تحبّه/ يبدو أنني سأطعمه لجاري العاشق..." هكذا تبدو لنا التقنيّة التي استخدمتها الشاعرة متكئة على مفردة الرمّان ليبدو النص مشغولًا ضمن زمن التقشير والانفراط.
تذهب "نصرة" في نصوصها هذه نحو مواضع "الحبّ والقلق الوجدانيّ" ولكنّها أيضًا لا تبتعد عن البلاد التي نهشت الحرب لحم أبنائها كما لو أنّها "محض لعنة" لنقع في روح مفرداتها على أجواء "الحزن والحرب والوقود والجماجم والهدم والمتاريس" ضمن جسم المقاطع الشعري ذاتها التي تقسم النص، فيبدو أحيانًا متفككًا يمكنك اجتزاء كل مقطع بحدّ ذاته وقراءته على حدة "ينمو الحزن سريعًا تحت جلودنا/ كأنّ هذه البلاد تمزّقت/ وتشرّبت وقودًا في تراب التكوين/ وكأنّ قيعانها براكين جماجم صدئة".
إذن تسعى الشاعرة للحفاظ على لغتها البسيطة ومفرداتها الذكية لتكتب ذاتها وتحوّل الجامد اليابس لروحٍ تضجّ بالحياة فهي تؤنسن الرصيف وتجعل له ذاكرة هي "كعب امرأة" والنوافذ تقوم بفعلِ التلصّص والنجوم تنام، كل ذلك يمكن أن نقرأه في نصّ "شرود" فهل تكون نور قد أثقلت كاهل النص بهذه الصور أم أنّها تؤكّد على خصوصيّة نصّها وخصوصيّة قصيدة النثر بكونها تقوم على الصورة؟! "قد يبدو أمرًا وشيك الحدوث/ أن يغدو/ كعب امرأة/ ذاكرة رصيف/ ينثر أسراره في أذن الصباح/ ويدّعي أنّها لحنٌ للنائمين".
نلاحظ أن نصوص المجموعة كانت تبحث في خصوصية المفردة من جهة، ونسج صور مدهشة إضافة إلى "شعرنة" اليوميّ، من جهة أخرى، رغم وحدة الموضوع تقريبًا لنتلمس حضور شاعرة مختلف بلغة ورؤية تجعل اليباس مانحًا للحياة أمام الصدأ والأبواب المنخورة: "مؤونة الصقيع/ خيطان اليقطين والبامية/ المعلّقة على المسامير الصدئة/ وعلى الأبواب المنخورة/ حتى نخاع الحلم/ أحيانًا/ يبعث اليباس حياةً جديدة/ بتّ أفكر بتجفيف عروقي..".
تضمّنت المجموعة ثلاثة وعشرون عنوانًا انتقتهم الشاعرة بعناية، مدركة أهميّة العنوان في جذب القارئ واتّصاله بالنص ومنها "غضبٌ ثقيل، أطلّت الشمس وابتسمت، طعام الآلهة، غرور البنفسج، عناق النجوم، صدفة الأماني".
يشار إلى أن مجموعة "جدران عازلة للصوت" كانت قد فازت بالمرتبة الأولى لجائزة الكلمة التي أطلقتها دار دلمون الجديدة (ناشر هذا الديوان) وهي تقع في سبعين صفحة من القطْع المتوسط.