الأحد 22 كانون الأول 2024 | 12:8 صباحاً بتوقيت دمشق
أحمد محمد السح

الشّعر في دمشق: المؤسسات "الرسميّة" تصدر دواوين بالكيلو كلام!

الشّعر في دمشق: المؤسسات
قرب جسر فكتوريا بدمشق (إنترنت).
  • الأربعاء 28 آب 2019

يعترف أيّ شاعرٍ أو مهتمّ بالشعر أنّهُ غير قادرٍ على متابعة كلّ ما يصدر عن مختلف دور النشر الرسميّة والخاصّة، وفي داخل القطر وخارجه؛ لكنّ الحقيقة المؤكّدة أنّ أكوامًا من الكتب الشعريّة تصدر وآلاف القصائد تُطبع بشكلٍ سنويّ حتى باتَ الشعراء اليوم أنفسهم لا يعرفون بعضهم البعض، وهذا أمرٌ عادي ومقبول في زماننا البصَريّ المشوّش، مع أنّه كان عارًا ما بعده عار قبل قرونَ وربّما قبل عقود أيضًا.
سنواتٌ من القحط الإبداعيّ بالمعنى الانقلابيّ في محتوى القصيدة المعاصرة، وسنواتٌ من التفريق الممنهج للشعراء حتى يسود صوتُ النعيق دومًا، ويمتنع أن تتجمّع صرخة واحدة للشعر لربّما تهزّ عروشًا.
يسألك كثيرون لا يزالون يحترمون الشّعر، يسألونك بعتبٍ هل تستطيع اليوم أن تعدد لنا ثلاثة شعراء شباب لهم تأثيرهم؟ هنا لابدّ عليك من التهرّب من الإجابة؛ أوّلًا لأنّك مطالٌ بالشتيمة كونك أصدرت ولو كتابًا واحدًا ووقّعت عليه اسم شعر، والأخرى أنّك لن تستطيع تقييم أحدٍ أنت نفسك لا تعرفه، وإن عرفته فأنت موقنٌ أن لا تأثير له بالمعنى الجماهيريّ، وإن حدث هذا التأثير فإنّه متناقضٌ تمامًا مع الغاية التوعويّة والتنظيريّة لحالة الشعر وبنيتها؛ ففي السنوات الماضية اعتلى المنابر شعراء وراحوا يرعدون بكلماتهم ولازالت إلى الآن تتناقل قصائدهم، والتي وإن اختلفت مع فنيّتها، وصحّحت جماليّتها وقلت بشكلٍ واضح أنّ الغنائيّة اليوم هي سبّة للقصيدة، ولم ينتبه أحدٌ لما تقوله لأنّه مشغولٌ برعيد الشاعر الجهبذ، وزئيره العالي، ستنتبه بعدها أنّ هذا التسويق لهؤلاء ليس إلّا لغاياتٍ سياسيّة، انتبه فكما سوّق الماركسيّون يومًا لشعرائهم، نجح "الإخوان المسلمون" مؤخّرًا دون أن يعلنوا بالتسويق لأسماءٍ انتمت إليهم سرًّا، ولم تعلن انتماءها للجمهور ولم تعترف به إلى اليوم، لكنّها أينما حلّوا حلّت معهم، إذًا إنّه تسييس الثقافة وتطويع القصيدة لا الإبداع الشعريّ المحكوم بالإبداع وحده لا شريك له.
في دمشق اليوم، التي أنبتت الشعراء وأعطتهم تأتأتهم الأولى ثم طيّرتهم مرتعدي القرائح الشعريّة إلى بيروت، تصدر كل يوم قصائد مختلفة، يطبعها "اتحاد الكتّاب العرب" و"الهيئة العامّة السوريّة للكتّاب" بالدّرجة الأولى دون غيرها، أمّا دور النشر الخاصّة فلن نناقش مطبوعاتها لا لخوفٍ حتى لا تنشر لنا إنّما لحصر الاهتمام بالمنتج الشعريّ الرسميّ إنْ صحَّ التعبير فبصلاحه يستقيم غيره، أليس في تجربة صلاح المنتج الشعريّ في عهد الدولة الحمدانيّة التي أصعدت المتنبّي ما يمكن أن يُحتذى به؟!
ترى اليوم كتبًا بأغلفةٍ رديئة بصورٍ مقتطعة من أيّ بحث عبر الانترنت، لا لوحات مخصّصة للأغلفة ولا ألوان مفيدة، لا تمانع هذه الهيئات أن تجلب لوحةً خاصّة لتطبع كتابك ولكنّها لا تضمن لك صلاح الألوان وجودتها، والردّ دائمًا (إنّها الإمكانيات).
ويمكن أن تفهمها تلميحًا لا تصريحًا (أن اشكرنا أنّنا لازلنا نطبع لكَ ترّهاتك الشعريّة) وهذا إنْ اتّفقنا أصلًا على أنّ صاحب/ة الديوان يثق بالشعر ويريد فعلًا أن يقدّم قصيدته لأسباب مرتبطة بالإبداع لا لأسبابٍ أخرى.
لي صديقٌ لهُ عمٌّ نشر ثلاث مجموعات شعريّة قبيل الحرب السوريّة ونال عضوية الاتحاد بسهولةٍ بالغة لأنّه أراد الحصول على قرض مالي، واليوم هو في السويد يعيش تجربة المعارضة من خلال وجهة نظره وبالتّأكيد ثمّة له نظائر كثر في الداخل يعيشون على الطرف المقابل!
المهم؛ لننتبه إلى بعض العناوين الشعريّة الموقّعة لمجموعاتٍ تصدرها المؤسسات الشعرية: (قمر وأمنيات/ مرتضى العذبة، لهيب العشق/ علي الزينة، صرخة مقاتل/ كنان محمد، تراتيل للعشق والأرض/ وائل أبو يزبك وغيرها) وهذه كلّها إصدارات لاتحاد الكتّاب العرب، ونضيف بعض العناوين: (على قيثارة الروح/ صالح محمود سلمان، عودة إلى الحب/ ياسر المالح، ترانيم أنثى دمشقيّة/ مريم الصائغ وغيرها) وهذه من إصدارات الهيئة العامّة السوريّة للكتاب.
ستأتينا ردود إنْ وصلت وشوشتنا، أنّ هذا ليس بنقد وأنّك لم تقرأ الكتب لتطيل النظر في محتواها الشعريّ والفنيّ والتشكيليّ، ولكنّني أسعى إلى الوقوف أمام هذه العناوين فهل يمكن لشاعرٍ وليس قارئ عادي أن تجذبه عناوين بهذه "اللاشعريّة" ليفتح الدواوين وينظر في محتواها؟ لا أظنّ ذلك!! انتهت هذه الوشوشة فهل من شعراء ينصتون؟!