الأحد 22 كانون الأول 2024 | 9:50 صباحاً بتوقيت دمشق
عمر الشيخ

اللوغو ليس حصناً دائماً

اللوغو ليس حصناً دائماً
فاتح المدرس (1922-1999) - فنان تشكيلي سوري
  • الجمعة 25 كانون الثاني 2019

ثمة الكثير من المحاولات الكتابية في أجناس الأدب وأحياناً نجد نوع كتاب لا هوية له، لا شك أن لكل إنسان حرية أن يكتب ويقول ما يريد، ولكن السؤال: هل كل ما يكتب يصلح للنشر أو أن يسمى أصلاً كتابة نوعية؟ هل أصبحت مواضيع الإنشاء والنصوص المنحولة عن مدارس شعرية ونثرية مكاناً مناسباً للمحاولات النرجسية التي تصعد على أكتاف الكلمات لتصل للضوء...؟
هناك بعض المتبرجين من ذوي الترف الرفاهية الحياتية المطلقة يحاولون صنع بعض الكتابات من خلال تجاربهم الحياتية العادية كثيراً التي لا تختلف عن حياة بائع البطاطا أو بائع الفول أو حتى بائع الصحف.. الجميع مثقف ولديه المقدرة على إيجاد صورته مهما كانت مشوهة، فنحن نقع على مجموعة من الكتب التي تصدر عن بعض دور النشر وقد أزال الناشر عنها لوغو الدار أو أي صفة رسمية تنسب هذا الكتاب أو ذاك لداره، ونسأل: ما سبب ذلك البطر التجاري؟ يفاجئنا أصحاب دور النشر بوجود مجموعة من الناس يأتون إليهم ويدفعون ضعف مبلغ طبع مجموعة شعرية أو قصصية أو رواية بطبعة متواضعة مقابل طبع كتاباتهم دون مصدر ناشر، الأمر الذي يثير لبساً لدى القارئ لماذا لم تتبنَّ دار النشر هذا الكتاب؟ والأمر ينطبق تماماً على فوضى النشر الافتراضي!
في الحقيقة تساهم هذه الأعمال المشبّهة للأدب بترويض ذائقة ثقافية متهتكة، ما يجعل أصحاب الموهبة الحقيقية مهددين برواج نتاجهم الإبداعي المميز، فقط تجد أسماءً مغمورة على كثرتها أمام قامات فذة غيرت وجه الحياة، هذا ما يسمى سخرية الأقدار، أن يتحول الأدب إلى شماعة يعلق عليها المريدون وأنصاف المواهب تفاهاتهم وعبثهم القبيح.
يحق لي كقارئ أن أحتج بشدة على تلك الكتب التي تطبع دون هوية، لأي عابر (مقتدر) وأن أطالب بتنظيف المكتبات الشخصية والعامة من الكتب الهزيلة وألوان الخواطر الإنشائية والروايات المشوهة بالأخطاء النحوية والإملائية... لا يتوقف الأمر عند كل هذه الطبعات الفاخرة وحسب، بل إن بعض التجار راح يضع جوائز باسمه ويرعى الأدب ويسيسه ويتوج نفسه أديباً وكاتب وناشراً وهو لم يقرأ عشرة كتب في كل حياته...!
اللوغو ورغم كل هذه الحثالة التي تطبع وترمي كتبها كالآفات في كل مكان، يحصنها شعار الدار ويسلم ثقته للقارئ ويضمن له أن يجد على الأقل شيئاً ممتعاً وجديداً، سواءً في الترجمة أو البحوث أو الإبداع الفكري، ومسألة غيابه تثير قلقاً كبيراً لدى القارئ على الرغم من أنها أي تلك الكتب الهزيلة سلاح ذو حدين، إذ تساند تكاليف الدار التي قد لا تجلب همها، ومن ناحية أخرى قد تكشف عن أصوات جديدة ربما تغير وجه العالم، ولكن حتى نصل لتلك المرحلة من التذوق والاكتشاف، نحن مطالبون بالوقوف بوجه طباعة الأعمال الرديئة ومحاولة تشجيع من يمتلك حقاً ملكة الكتابة والاختلاف ومع دور النشر التي تغربل ما استطاعت في طباعة تلك الأعمال المقروءة وطرحها في المكتبات العامة..
هنالك أعمال إبداعية لم تجد طريقها إلى النشر ومات أصحابها وبقي الورثة من شدة خوفهم أو غيرتهم، لا يدعمون تلك الأعمال، ولا يتركون رحمة الناشر تنزل عليها، هنا أيضاً تجبرنا حقوق الورثة على طباعة تلك الروائع دون وضع أي لوغو، وذلك لأنها قد تكون نسخة مكتبة خاصة وغير مرخصة للنشر في المكتبات لتباع، علماً أنها من روائع الأعمال التي من الممكن أن تكون تاريخية، وهنا أقصد بالتحديد مجموعة من الشعراء السوريين قد أغفلت آثارهم ولم تنشر بعد بسبب مشاكل الورثة، هكذا يحرم الجيل بأكمله من الاطلاع على تجارب عملاقة لم تجد فرصة للنشر، لكنها تركت آثاراً عظيمة تتصدر تاريخها وتشرف بلادها..
من ناحية أخرى، هنالك لوغوهات تتصدر أعمالاً أدبية لأسماء كبيرة ولكنها أي تلك الأسماء أكملت دائرتها الإبداعية ولم يعد لديها شيء جديد، فتجد القارئ رغم بساطة وعادية ما يأتيه من أولئك المبدعين حتى لو كان خربشات فهو يتقبله ويعتبره فتحاً إبداعياً هاماً، والدليل أن هذا اللوغو لتلك الدار المرموقة قد طبع لهم أعمالاً جديدة ربما هي الأكثر تميزاً كما يعتقد القارئ...
بالمحصلة فإن ذوق القرّاء يعززه التكريس الشامل للبحث والمتابعة بعيداً عن حصن اللوغو، فليس دائماً كل ما يطبع مع لوغو هو صالح للقراءة وجديد ومميز وممتع.. وليس كل ما ينشر من دون لوغو هو بالٍ ومستهلك وهزيل.. إلا أن الخيار الثاني يتعلق عادة بمخزون الدار وقدرتها على معرفة ما إذا كان هذا الكاتب مهم أم لا.. وهذا ما أظنه الصواب...